الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدنيا. خَصاصَةٌ: حاجة. شُحَّ نَفْسِهِ الشح: لؤم الطبع ويلزمه البخل مع الحرص. غِلًّا: حقدا وحسدا.
وهذا شروع في بيان حكم الأموال التي أخذت منهم بعد بيان ما حل بهم في الدنيا، وما أعد لهم في الآخرة، ثم استطرد فذكر أصناف المؤمنين الذين يستحقون الفيء.
المعنى:
وما أعاده الله على رسوله من أموال بنى النضير فما ركبتم لأجلها خيلا ولا إبلا ولا تجشمتم في تحصيلها مشقة، ولا لقيتم بها حربا، ولذا كانت هذه الأموال لرسول الله بعد تقسيم خمسها على مستحقيه كما في الآية.
ولكن الله يسلط رسله على من يشاء من أعدائه، وفي هذا بيان أن الأموال للرسول وليست لأصحابه لأنهم لم يوجفوا لها خيلا، ولم يركبوا لها إبلا، ولم يقاسوا فيها شدة من شدائد الحرب، والله على كل شيء قدير يسلط من يشاء على من يشاء.
وكأن الله خلق المال والمتاع ليتقرب به العبد إلى ربه، فإذا صرف في غير محله، واستولى عليه الكفار ليصرفوه في غير وجهه فقد خرج عن وضعه الأصلى، ثم إذا عاد إلى المسلم الذي ينفقه في وجوه الخير فقد عاد إلى الوضع الأول، ولذا عبر الله بقوله:
ما أفاء الله على رسوله.
وكأن سائلا سأل وقال: قد علمنا حكم ما أفاء الله على رسوله من أموال بنى النضير، فما حكم الفيء إذا كان من غيرهم؟ والجواب هو: ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول، ولذي القربى، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل.
والفيء يقسم خمسة أقسام: خمس منها يقسم خمسة أخماس: سهم لله وللرسول، كان له في حياته ثم يصرف على مصالح المسلمين بعد وفاته، وسهم لذوي القربى من أقارب الرسول وهم بنو هاشم وبنو عبد المطلب، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل، وأما الأربعة أخماس الباقية فهي للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، وقد وزعها في حياته على المهاجرين ولم يعط من الأنصار إلا رجلين أظهرا الفقر، وبعد وفاته تصرف للمرتزقة من الجند، أى: للجيش ما لم يوجد لهم تبرع أو مرتب خاص، أما الغنيمة
فتقسم خمسة، خمس لهؤلاء الخمسة كما في سورة الأنفال، والأربعة الأخماس الباقية للمقاتلين الذين حضروا المعركة على ما مر بيانه في سورة الأنفال، وإنما كان تقسيم الفيء على هذا النظام كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم يتداولونه بينهم، ويحرم الفقير منه، فإذا يفهم من هذا التعليل أن هذا المال يصرف للفقراء المحتاجين كما أنفقه النبي على المهاجرين دون الأنصار.
أيها المسلمون: ما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا، واتقوا الله، وهذا هو دستور الإسلام الحق الجامع لكل أمر ونهى، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ في سبيل الله فكأن الله قال: أعنى بأولئك الأربعة- لذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل «1» هؤلاء الفقراء المهاجرين والأنصار والتابعين وقال بعضهم: اعجبوا لهؤلاء الفقراء حيث تركوا الأوطان والأموال وتحملوا الضيق والتغرب في حب النبي صلى الله عليه وسلم وهل الفقر شرط في إعطائهم أو لا؟ قولان.
للفقراء المهاجرين الذي أخرجوا من ديارهم وأموالهم بغير حق إلا أن يقولوا: ربنا الله حالة كونهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا ناوين نصرة الرسول ودينه، أولئك الموصوفون بما ذكر من الصفات الجليلة هم الصادقون في دعوى الإيمان حيث نالهم ما نالهم من أجله.
وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ هم الأنصار- رضى الله عنهم- نزلوا المدينة واتخذوها مباءة ومنزلا للإسلام، وموئلا له، وألفوا الإيمان وأخلصوا له من قبل هجرة المهاجرين إليهم، يحبون من هاجر إليهم من المهاجرين، ولا يجدون في صدورهم حسدا ولا غيظا مما أوتوا- أى: مما أعطى المهاجرون من الفيء وغيره- مع حرمانهم منه، فنفوسهم لم تتبع ما أعطى المهاجرون ولم تطمح إلى شيء منه تحتاج إليه، على أنهم يؤثرون على أنفسهم غيرهم، ويقدمون المهاجرين على أنفسهم في كل شيء من الطيبات مع الحاجة إليه، حتى إن من كان عنده امرأتان نزل لأخيه المهاجر عن واحدة
(1) - هذا إشارة إلى أن قوله (للفقراء المهاجرين) بدل من قوله (لذي القربى) وما عطف عليه، وبعضهم يرى أنه متعلق بقول مقدر هو: اعجبوا للفقراء المهاجرين- وهذا خطاب لكل من يتأتى منه التعجب من حال المهاجرين حيث تركوا أمر أموالهم وأوطانهم، ويرشحه قوله بعد: ألم تر إلى الذين نافقوا!!