الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إثبات الوحدانية لله مع نفى الشعر عن رسول الله [سورة يس (36) : الآيات 69 الى 76]
وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَاّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69) لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ (70) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ (71) وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ (73)
وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (74) لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (75) فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (76)
المفردات:
الشِّعْرَ: كلام موزون مقفى وَيَحِقَّ الْقَوْلُ: يثبت مالِكُونَ:
ضابطون وقاهرون وَذَلَّلْناها لَهُمْ: سخرناها لهم مُحْضَرُونَ: يدفعون عنهم ويغضبون لهم.
تقدم ما يتصل بالوحدانية في قوله: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ وما يتعلق بالحشر في قوله: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وبقي الأصل الثالث وهو الرسالة يتكلم عنها هنا.
المعنى:
الشعر نوع من الكلام العربي له طابع خاص، ووزن خاص، وهو يعتمد على وحدة القافية، يعنى بالخيال الخصب، والتصوير الرائع والعاطفة المشبوبة، ولهذا لا يتحرى
الشاعر غالبا في كلامه الصدق، ولا يلتزم جادة الصواب، بل تراه كما وصفه القرآن أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ. وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ «1» ، وقد قيل:
أعذب الشعر أكذبه، وقبيل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ظهر التكسب بالشعر، وتعرض الشعراء للقول بالحق وبالباطل، وظهر بعد العصر الإسلامى الأول التكسب بالشعر، وصار صنعة يتحاشاها الأشراف لهذا وأشباهه لم يقل النبي الشعر، وما كان ينبغي له، وقد رمى الكفار القرآن بأنه شعر مرة، وأنه سحر مرة أخرى، أو هو من عمل الكهان.
وهنا يرد القرآن على المشركين هذه الدعوى الباطلة مثبتا أن الله لم يعلمه الشعر وما ينبغي له- لما قدمناه- والقرآن ليس شعرا، وإن كان أبلغ كلام وأعلاه، وكيف يكون شعرا مع أن للشعر طابعا خاصّا في وزنه ومعناه وأخيلته؟ وما القرآن إلا ذكر للعالمين، وموعظة وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة للمتقين، هو جلاء القلوب، وعلاج الأرواح، أنزل على النبي المصطفى لينذر به من كان حيّا من الناس.
إنه لتعبير دقيق جدّا، وتصوير رائع، فإنه لا يهتدى به ولا يتعظ ولا يقبل إنذار القرآن إلا الأحياء، والأحياء في عقولهم وتفكيرهم وأرواحهم، أما الأموات فأنى يسمعون؟ وكيف يبصرون؟ فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ «2» وعند ذلك يحق القول الحق لأنه من الحق تبارك وتعالى، وتجب الحجة بالقرآن على الكافرين الذين لا يعقلون ولا يتدبرون، بل هم أموات لا يشعرون، وما لهم ينكرون كون القرآن من عند الله، أهم في شك من قدرته؟ أم هم في غفلة عن قوة إعجازه ودلالته على أنه من عند الله؟
ألم يعلموا خلقهم ولم يروا أنّا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون فالله خلق الحيوانات وذللها فنحن متصرفون فيها مختصون بمنافعها. ضابطون لها مهما كان الإنسان صغيرا ومهما كان الحيوان ضخما كبيرا.
يصرفه الصبى بكل وجه
…
ويحبسه عن الخسف الغرير
وتضربه الوليدة بالهراوى
…
فلا غير لديه ولا نكير
وذللناها لهم فمنها ركوبهم، ومنها أكلهم، ومنها شربهم، ولهم فيها منافع أخرى كالأصواف والأوبار والجلود وغيرها. أفلا يشكرون الله على ذلك؟ ما فعلوا من ذلك شيئا.
(1) - سورة الشعراء الآيتان 225، 226
(2)
- سورة الروم آية 52.