الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيء واستمر إذا ذهب. مُسْتَقِرٌّ أى: منته إلى غاية «1» . مُزْدَجَرٌ: ما يزجرهم ويكفهم يقال: زجره فانزجر وازدجر، أى: كفه فانكف. بالِغَةٌ:
واصلة غاية الإحكام لا خلل فيها نُكُرٍ: فظيع شديد تنكره النفوس.
الْأَجْداثِ: جمع جدث وهو القبر. جَرادٌ مُنْتَشِرٌ الجراد: حيوان يأكل النبات فيجرد الأرض منه، والمنتشر: الكثير التموج. مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ:
مسرعين إليه. عَسِرٌ: صعب شديد.
روى قتادة عن أنس- رضى الله عنهم- قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كادت الشمس تغيب فقال: «ما بقي من دنياكم فيما مضى إلا مثل ما بقي من هذا اليوم فيما مضى»
قال الراوي: وما نرى من الشمس إلا يسيرا
وثبت في صحيح البخاري وغيره من حديث ابن مسعود، وابن عمر وأنس وغيرهم أنه قال: سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم آية فانشق القمر
،
ورواية البخاري: انشق القمر فرقتين، وقد كذبه أهل مكة، وقالوا: سحرنا ابن أبى كبشة فنزلت الآية: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ.. وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ.
المعنى:
إن الساعة آتية لا شك فيها، وكل آت قريب، ومتحقق الوقوع، وعلى ذلك اقتربت الساعة، أو صارت باعتبار نسبة ما بقي من الزمن بعد قيام النبوة المحمدية إلى ما مضى من الدنيا قريبة جدا،
ولقد صدق رسول الله حيث يقول: «بعثت أنا والساعة هكذا»
وأشار النبي بإصبعه السبابة والوسطى، وأنت تعرف قرب ما بينهما.
اقتربت الساعة وانشق القمر، فانشقاق القمر آية ظاهرة على هذا القرب وعلى إمكانه في العقول والأذهان، وقيل: إنه آية على قرب الوقوع ومعجزة للنبي صلى الله عليه وسلم كما مضى، وعلى ذلك فانشقاق القمر من معجزاته صلى الله عليه وسلم ويؤيده الحديث السابق أول الكلام، وظاهر الآيات هنا، فإن قوله تعالى: وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ يقتضى أن الانشقاق آية رأوها وأعرضوا عنها وكذبوا بها.
(1) وفي قراءة مستقر، أى: ذو استقرار، أو له زمان استقرار، أو مكان، فهو إما مصدر أو ظرف زمان أو مكان.
ويرى بعضهم أن انشقاق القمر عبارة عن انشقاق الظلمة وقت طلوعه، لا انفلاقه فلقتين كما روى في البخاري، وبعضهم يرى أنه كناية عن وضوح الأمر وظهوره، ولست أرى داعيا إلى إنكار انشقاق القمر على أنه معجزة فالمعجزة أمر خارق للعادة، وعدم تواتره لا يقدح، فإنها آية ليلية، وقد ذكرت في القرآن، والصحيح أن منكرها لا يكفر بها لعدم تواترها في السنة، وليست الآية نصّا فيها.
وإن يروا- هؤلاء الكفار كما هو شأنهم- أى آية يعرضوا عنها، ويقولوا: هذا سحر مستمر، أى: مطرد دائم عرفناه من محمد، أو هو سحر مستمر، أى: محكم قوى عرفناه من هذا الساحر القوى، أو هو سحر سيذهب عن قريب ويضيع كما ضاع غيره، وتلك أمانيهم الباطلة، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، وهكذا كذبوا بآياتنا الظاهرة واتبعوا في هذا التكذيب والإعراض أهواءهم التي زينها لهم شياطينهم فقط، ولم يتبعوا حجة أو منطقا سليما، وما علموا أن كل أمر مستقر وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ «1» نعم كل أمر لا بد منته إلى غاية يتبين عندها حقه من باطله.
وتالله لقد جاءهم في القرآن من أخبار القرون الماضية ما فيه ازدجار لهم «2» ومنع عما هم فيه من القبائح لو كانوا يعقلون، هذه حكمة بالغة قد بلغت الغاية ووصلت إلى النهاية في الإحكام والدقة فكان من المعقول أن ينتفعوا بوعيد هذه الأنباء ووعدها، فما انتفعوا، وما أغنتهم هذه النذر «3» .
وإذا كان الأمر كذلك فتول عنهم، وأعرض، ولا يهمنك أمرهم، واذكر يوم يدعو الداعي، وهو إسرافيل- عليه السلام يدعوهم ليخرجوا من الأجداث فيرون شيئا منكرا فظيعا تنكره النفوس لعدم عهدها بمثله، وهو هول يوم القيامة، يخرجون من القبور أذلة أبصارهم من شدة الهول كأنهم جراد منتشر في الكثرة والتموج والانتشار في الأقطار، وقد جاء تشبيههم- مرة أخرى- يوم يخرجون من القبور كالفراش المبثوث،
(1) وهذا استئناف مسوق للرد على الكفار في تكذيبهم ببيان أنه لا فائدة لهم في ذلك حيث إن كل أمر لا محالة ينتهى إلى غاية، ومن جملة ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم سينتهي إلى غاية يظهر فيها أنه على حق، وأنهم على باطل.
(2)
(من الأنبياء ما فيه مزدجر) الجار والمجرور متعلق بمحذوف حال مقدم من (ما) الواقعة فاعلا لجاءهم.
(3)
وعلى هذا فما نافية ويصح أن تكون استفهامية للاستنكار، والفاء لترتيب عدم الإغناء على مجيء الحكم.