الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
سَوَّيْتُهُ: أكملت خلقه فَقَعُوا لَهُ: فاسقطوا له ساجدين اسْتَكْبَرَ:
عد نفسه كبيرا بغير استحقاق خَلَقْتُ بِيَدَيَّ: تمثيل لكونه- عليه السلام معتنيا بخلقه الْعالِينَ: المستحقين للعلو. رَجِيمٌ: مرجوم ومطرود.
فَأَنْظِرْنِي: فأمهلنى لَأُغْوِيَنَّهُمْ: لأزينن لهم المعاصي نَبَأَهُ: خبره المهلك حِينٍ: مدة من الزمن.
وهذا تفصيل لأخبار الملأ الأعلى إذ يختصمون، فهو بيان لما أجمل من الاختصام، وإن ختام هذه السورة ذي الذكر العالي بهذا الختام الرائع لبيان فضل الله على آدم وبنيه، ومعاملة الملائكة له، ومعاملة إبليس لأبينا، وليعلم الناس بعض السر في عناد المشركين وشركهم حتى يحذروا من إبليس وجنده إنه لختام رائع حقا.
المعنى:
أنا رسول رب العالمين، وها أنذا أبلغكم عن ربي ما كان حاصلا مع الملأ الأعلى إذ يختصمون- وما كان لي ولا لقومي علم بذلك- إذ «1» قال ربك للملائكة، ويدخل معهم إبليس للمجاورة والملازمة، إذ لم يكن منهم على التحقيق كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ «2» إذ قال لهم: إنى خالق بشرا من طين مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ
(1) إذ قال ربك بدل من إذ يختصمون.
(2)
- سورة الكهف آية 50.
[الحجر 26، 28، 33] . فإذا سويته، وأتممت خلقه المادي، ونفخت فيه من روحي، والنفخ تمثيل لإفاضة ما به الحياة، فليس هناك نافخ ولا منفوخ، وإنما المعنى: فإذا أكملت استعداده وأفضت عليه ما يحيا به من الروح الطاهرة التي هي من أمر الله وشأنه فقعوا له ساجدين سجود تحية وتكريم لا سجود عبادة وتأليه.
فسجد الملائكة كلهم أجمعون، و (كل) للإحاطة، و (أجمع) للاجتماع إلا إبليس اللعين فإنه أبى واستكبر واستعظم ولم يكن من الساجدين، وكان من الكافرين المستكبرين المتعاظمين على أمر الله.
وماذا قال الله له عند ذلك؟ قال- عز وجل على سبيل الإنكار والتوبيخ:
يا إبليس أى شيء منعك من السجود لما خلقته بيدي؟ ما الذي منعك من السجود لآدم وقد خلقته بيدي، وصنعته بنفسي، وقولك: فعلت هذا بيدي مثلا، وصنعته بنفسي:
تمثيل لكونك معنيا بفعله عناية تامة.
يا إبليس أستكبرت أم كنت من العالين..؟! أى: أتكبرت ادعاء من غير استحقاق أم كنت من العالين المستحقين لذلك؟ والمراد إنكار هذا وذاك.
وقال إبليس مدفوعا بطبعه المفهوم من طبيعة النار التي خلق منها- فإن طبعها الحماقة والاندفاع والتعالي والإضرار- قال إبليس: أنا خير منه، لأنك خلقتني من نار وخلقته من طين.
قال الله له- ردّا على عمله القبيح-: فاخرج من الجنة فإنك رجيم مطرود من كل خير وبركة، وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين.
قال إبليس: إذا جعلتني يا رب رجيما مطرودا من رحمتك فأنظرنى وأمهلنى إلى يوم يبعثون عند النفخة الثانية، فلا تمتنى في الدنيا بل أمهلنى مع آدم وذريته إلى يوم البعث، طلب هذا الطلب ليظل يوسوس لآدم وذريته فيأخذ ثأره من آدم فإنه هو السبب في طرده من رحمة الله، فاتعظوا يا بنى آدم واحذروا..
قال الله- سبحانه-: إنك من المنظرين إلى ذلك اليوم المعلوم، وهكذا اقتضت إرادة الله أن يظل إبليس وجنده في وضع يتمكن معه من الوسوسة.
قال إبليس: فبعزتك وجلالك لأغوينهم أجمعين بتزيين المعاصي لهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين الذين أخلصتهم لعبادتك، وأصفيتهم لنصرة دينك، وعصمتهم من الغواية. وقرئ المخلصين الذين أخلصوا لله في العبادة والطاعة.
إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ «1» .
قال- عز وجل: فالحق منى، وأنا الحق، وإنى أقول الحق. لأملأن جهنم منك يا إبليس ومن ذريتك الشياطين ومن تبعك في الغواية والضلالة من ذرية آدم أجمعين.
يا كفار مكة هذه آيات شاهدة ناطقة على صدقى، وقد أخبرتكم خبرا صدقا عن الملائكة، وعن إبليس وطبيعته، وعن الإنسان وغريزته، والواقع يؤيد ذلك كله، أليس هذا دليلا على صدقى؟! أيها المشركون: أنا لا أسألكم على القرآن، وهذا النور الذي أسوقه لكم لا أسألكم على ذلك شيئا أبدا من حطام الدنيا الفاني. وما أنا من المتكلمين الذين يدعون ويتصنعون ويتحلون بما ليس فيهم وأنتم تعلمون عنى ذلك فإنى أنا منكم ونشأت بينكم.
ما هو إلا وحى من الله يوحى إلى. وما هو إلا ذكر للعالمين ونور. وهدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، فيه الشفاء والذكرى والموعظة والعلاج والدواء من كل داء.
ولتعلمن نبأه حقيقة بعد حين من الزمان سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ «2» . وقد ذكرت هذه القصة وكررت قبل ذلك في سورة الحجر وغيرها.
(1) - سورة الحجر آية 42.
(2)
- سورة فصلت آية 53.