الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
ما تُوَسْوِسُ الوسوسة: الصوت الخفى، ومنه وسواس الحلي، أى: صوت الحلية، والمراد هنا حديث النفس. حَبْلِ الْوَرِيدِ: هو عرق في صفحة العنق.
يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ: يأخذ ويثبت الملكان الموكلان بالإنسان. قَعِيدٌ: جالس.
رَقِيبٌ عَتِيدٌ الرقيب: الحافظ للأعمال المراقب لها، والعتيد: الحاضر الذي لا يغيب. سَكْرَةُ الْمَوْتِ: شدته التي تذهب بالعقل. تَحِيدُ: تنفر وتهرب. سائِقٌ وَشَهِيدٌ أى: ملكان أحدهما يسوقه إلى المحشر والآخر يشهد عليه. حَدِيدٌ أى: حاد قوى. عَتِيدٌ أى: مهيأ لجهنم. عَنِيدٍ: معاند ومجانب للحق. مُعْتَدٍ: ظالم متخط للحق. مُرِيبٍ: شاك في الله وفي أخباره. ما أَطْغَيْتُهُ: ما أوقعته في الطغيان. وَأُزْلِفَتِ: قربت.
أَوَّابٍ: كثير الرجوع إلى الله. حَفِيظٍ: كثير الحفظ لحدود الله.
مُنِيبٍ: مقبل على الطاعة. مَزِيدٌ: زيادة.
المعنى:
يقول الله- جل جلاله: ولقد خلقنا الإنسان وأبدعنا صورته، وأكملنا خلقته، ونحن نعلم السر وأخفى، ونعلم ما توسوس به نفسه، وما يستكن في ضميره، إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ فالله يعلم ما يخفيه الإنسان ويكنه في نفسه، من الخواطر
وحديث النفس، ولا غرابة في ذلك، فهو أقرب إلينا من حبل الوريد، وهذا تمثيل لكمال القرب، مع أن الله منزه عن الحلول في مكان وزمان، فهو قرب علم به وإحاطة بأحواله كلها فكأن ذاته قريبة منه «1» .
ومع كمال العلم بالإنسان، وتمام الإحاطة بأحواله، ونفاذ قدرته عليه، وكل به ملكين يكتبان ويحصيان عليه عمله، إلزاما للحجة، وقطعا للمعذرة.
فالله أقرب إليه من حبل الوريد حين يتلقى المتلقيان اللذان يأخذان عنه ويحصيان عليه، أحدهما عن يمينه يكتب الحسنات، والآخر عن شماله يكتب السيئات، ما يلفظ الإنسان من قول، ولا يعمل من عمل إلا لديه ملكان موصوفان بأنهما رقيبان وعتيدان، فكل منهما رقيب، أى: حافظ للأعمال متتبع لأمور الإنسان، يحصيها ويسجلها، وكل منهما عتيد، أى: حاضر مهيأ معد لذلك.
وقال بعض العلماء: في هذه الآية رهبة وهيبة وخوف وفزع لقوم، وسكون وأنس وطمأنينة لقوم آخرين، فهنيئا للعاملين المؤمنين، وبؤسا وهلاكا للكافرين والفاسقين!! ويا حسرة على العصاة والمذنبين! حيث ينزل بهم الموت وفزعه، فتراهم سكارى من هول ما يلاقونه وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ نعم كل إنسان يلاقيه الموت وشدته وتغمره غمرته التي تغلب عقله، وتلهيه عمن حوله، ويشغله عن ماله وولده، وعند ذلك يظهر له الحق، ويتضح له الأمر، ويدرك مكانه، ويرى عمله وأن ما جاءت به الرسل من الإخبار بالبعث والثواب والعقاب حق لا شك فيه ولا مراء، تلك مواقف شديدة على غير المؤمنين، أما المؤمنون فعند سكرات الموت يبشون ويفرحون لما يرون من مقدمات الخير الذي ينتظرهم.
ذلك هو الموت وما فيه، الذي كنت أيها الكافر منه تحيد وعنه تميل.
ونفخ في الصور النفخة الثانية ليقوم الناس لرب العالمين، ذلك الوقت الذي أوعد الله به الكفار والعصاة، وانظر- رعاك الله- إلى قوله: وجاءت كل نفس معها سائق
(1) - فيه إشارة إلى أنه تجوز عن قرب العلم بقرب الذات.
وشهيد، أى: سائق يسوقها إلى نتيجة عملها، وشاهد يشهد لها بعملها ويقال لها:
تالله لقد كنت أيها الإنسان في غفلة من هذا الذي نزل بك- وكل إنسان وله اشتغال ما عن الآخرة- فكشفنا عنك غطاءك، وأزلنا عنك غفلتك التي كانت عندك في الدنيا، بانهماكك في المحسوسات، واشتغالك بالماديات، وقصر نظرك عليها، فبصرك اليوم حاد وقوى تدرك به ما غفلت عنه أو أنكرته في الدنيا.
وقال قرينه- وهو شيطانه الذي قيض له في الدنيا-: هذا- والإشارة إلى نفس الشخص الكافر- الذي عندي وفي ملكي عتيد لجهنم، أى: قد هيأته لها بإغوائى وإضلالى «1» ، فيقال للموكل به من الملائكة: ألقيا في جهنم كل كفار معاند للحق مجانب له، مناع للخير، معتقد ظالم، شاك في دينه مرتاب في ربه، الذي جعل مع الله إلها آخر فألقياه- والأمر للسائق والشهيد كما مضى- في العذاب الشديد.
وحينما يلقى الكافر في جهنم يقول: يا رب أطغانى الشيطان وأضلنى!! فيقول الشيطان «2» : ربنا ما أطغيته ولا أضللته ولكن كان هو في ضلال بعيد الغور، فأنا وسوست له وزينت له السوء فقط، وهو الذي ارتكب الإثم بنفسه بعد اختياره له وقصده، وبعد ما جاء التحذير له من السماء مرارا، فيا رب: ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد يستحق معه هذا العقاب، فيقول الله: لا تختصموا لدى، والحال أنى قدمت لكم بالوعيد، وهو القرآن، وأنذرتكم على ألسنة الرسل، وحذرتكم من سوء العاقبة مرارا، ودعوتكم إلى الخير جهارا.
ما يبدل القول لدى، ولا معقب لحكمي، وقد حكمت بتخليد الكافر في النار وتعذيب العاصي بها على حسب عمله، ولن يغير هذا الحكم، وما ربك بذي ظلم للعباد.
(1) - وإعراب هذه الآية «هذا ما لدى عتيد» يجوز في (ما) أن تكون موصوفة و (عتيد) صفتها و (لدى) متعلق به و (ما) هذه خبر اسم الإشارة، ويجوز أن تكون (ما) موصولة مبتدأ و (لدى) صلتها و (عتيد) خبرها والجملة خبر اسم الإشارة.
(2)
- فصلت هذه الجملة لأنها واقعة جواب سؤال مقدر تقديره: ماذا قال الشيطان ردّا على اتهام الكافر له؟
وعطف قوله: وَقالَ قَرِينُهُ على ما قبله لأن إرادة الجمع بينها وبين ما قبلها وهي وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها
…
مطلوبة، ولا مانع من العطف لاتحادهما خبرا وإنشاء.