الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعض الجميل إلى أهله، ومنه من ضل وبغى ولم يرع لحق حرمة بل كفر وأنكر رغم إلحاح والديه عليه وإرشاد هما له، ولكل درجات فانظر- وفقك الله تعالى إلى الخير- مكانك في الناحيتين. على أن وضع الوصية بالوالدين هنا دليل على أنها من أصول الإسلام.
المعنى:
ووصينا الإنسان بوالديه أن يحسن لهما إحسانا، وألزمناه إحسانا إليهما فهما أحق الناس به، والأمر بالإحسان إليهما محل اعتناء من الله، فكان وصية لا أمرا إذ هما قد توليا إيجاده ظاهرا، والله تولى خلقه خفية وباطنا، والأم أحق بذلك من الأب فهي حملته على كره وتعب، ووضعته بمشقة وألم، ومدة حمله وفطامه ثلاثون شهرا، وقد مضى أن مدة الرضاع لمن أراد إتمامه سنتان وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ بقيت مدة الحمل وهي ستة أشهر ولحظتان، وهذه أقل مدة يمكن نسبة الولد فيها إلى أبيه، إن أقل الحمل ذلك، وأما أكثره فلم ينص عليه القرآن، والفقهاء قالوا: أقصاه سنتان، وقيل: أربع، والغالب أن مدة الحمل حول تسعة أشهر.
ومدة الحمل والرضاع ثلاثون شهرا والولد فيها حمل على أمه، فبطنها وعاء له، وثديها سقاء له، وهي فوق ذلك تسهر وتتعب، وتشقى ليسعد، فمن باب الذوق ورد الجميل الإحسان إلى الوالدين وخاصة الأم.
فإذا عاش الرضيع ودرج كما يدرج الصبيان، وأيفع مع الشبان، حتى إذا بلغ أشده واستحكم عقله واستوت قوته، وبلغ أربعين سنة. قال: رب أوزعنى ووفقني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علىّ وعلى والدي حيث وضعت في قلوبهما العطف علىّ، وخلقتني بسببهما على أتم صورة ورعيتنى في الصغر وربيتني وحفظتني وأنعمت علىّ نعما لا تحصى، ويظهر- والله أعلم- أن قول الإنسان هذا عند بلوغ الأشد واكتمال العقل وبلوغ الأربعين، قوله هذا من حيث هو إنسان فقط بقطع النظر عن الإرشادات والتعاليم التي تأتى على ألسنة الزمان. وتجعل الطفل عند البلوغ أو الاحتلام مكلفا بكل فروع الشريعة إذ طلب الإنسان من ربه أن يوفقه إلى العمل وأن يهديه إلى الشكر ورد الجميل ليس موقوفا على بلوغ الأربعين وكمال الرشد.
رب اهدني إلى شكرك حيث أنعمت على وعلى والدي نعما لا تحصى، واهدني إلى صالح الأعمال، واجعل الصلاح والتقوى ساريا في ذريتي راسخا في أبنائى لأنى تبت إليك وأنبت، وإنى من المسلمين القانتين فاغفر لي ووفقني يا أكرم الأكرمين.
أولئك- والإشارة للتعظيم- الذين نتقبل عنهم أحسن أعمالهم، وكلها بسبب كمال الإخلاص من أحسن الأعمال، ونتجاوز عما فرط من سيئاتهم، وعدهم ربك بذلك وعدا هو الصدق بعينه، الذي كانوا يوعدون به على ألسنة الرسل، أما الصنف الثاني الذي لم يرع في الله حقا، ولم يرع لوالديه حرمة، ورد الجميل بالقبيح، وجازى الحسنة بالسيئة فهذا والداه وهما كما عرفت تعبا وسهرا لراحته وصنعاه حتى اكتمل، وأشارا عليه بما فيه خيره وسعادته ومع هذا ما زاده ذلك كله إلا استكبارا وعنادا وكفرا وجحودا.. انظر إليه وهو يقول: والذي قال لوالديه حينما أشارا عليه بالإسلام والإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر قال لهما: أف لكما أتعداننى بالبعث وأنى سأخرج من القبر للحساب، والحال أنه قد خلت القرون من قبلي ومضت آلاف السنين ولم نر أحدا بعث، يريد بهذا إنكار البعث.
وهما يستغيثان بالله من أفعاله، ويلجئان إلى الله أن يرشده ويهديه، ويقولون له:
ويلك وهلاكك آمن مع المؤمنين، وليس مرادهم الدعاء بالويل والثبور، بل هما يحثانه على الإيمان والدخول فيه بسرعة، لأن وعد الله حق، وقد وعد المؤمنين بالثواب، والكافرين بالعقاب.
فيقول بعد هذا: ما هذا الذي تقولانه إلا أساطير الأولين وأباطيلهم! انظر يا رعاك الله: الوالدان يحبان أولادهما حبا غريزيا، وهما ينصحانهم بما هو خير لهم، وقد نصحوا بالإيمان الكامل، ولكن إذا كان الابن غير موفق لم يرع لهما حرمة، ولم يقدس لهما رأيا، ولهذا لا تأس يا محمد على كفر من كفر من قومك.
أولئك- والإشارة للتحقير- الذين حقت عليهم كلمة ربك بالعذاب وهي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ حالة كونهم في عداد أمم قد مضت من قبلهم من الجن والإنس، لأنهم كانوا خاسرين.
ولكل من الفريقين: فريق المؤمنين، وفريق الكافرين، درجات معلومة بسبب أعمالهم التي عملوها، فريق في الجنة له درجات عليا، وفريق في السعير له دركات