الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
ن ينطق بها هكذا نون: وفيها ما في حروف الهجاء التي افتتحت بها السور المكية، وقد تقدمت مرارا، وهي بلا شك رمز (شفرة) بين الله- تبارك وتعالى وبين رسوله المصطفى، على أن بعضهم ذكر حكمة لذكرها، هي أنها سيقت تنبيها للمشركين إلى أن القرآن الذي أعجزكم مكون من حروف هجائية ينطق بها كل إنسان منكم، ومع هذا عجزتم عن الإتيان بمثله. وَالْقَلَمِ: وهو الآلة المعروفة.
وَما يَسْطُرُونَ: وما يكتبون. مَمْنُونٍ: مقطوع أو منقوص.
الْمَفْتُونُ: المجنون، من فتن: إذا أصيب بفتنة أى محنة أو بلاء من ذهاب عقل أو مال أو موت ولد. تُدْهِنُ من الإدهان، وهو المداهنة والملاينة، يقال: أدهن الرجل في دينه وداهن في أمره: إذا خان وأظهر خلاف ما يضمر، وأصل اللفظ من الدهن الذي هو البل، فإنه يلين اليابس. حَلَّافٍ: كثير الحلف. مَهِينٍ:
ضعيف الرأى حقيره. هَمَّازٍ: كثير الهمز، والهمز في اللغة: النخس، ومنه المهماز للدابة، والمراد به الطعن في الناس والغض منهم وذكرهم بالمكروه، وهو كاللمز. مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ: يمشى بين الناس بالنميمة والسعاية. مُعْتَدٍ: يتعدى حدود العدل والإنصاف. أَثِيمٍ: كثير الآثام. عُتُلٍّ: هو الأكول والشّراب القوى الجسم الغليظ. زَنِيمٍ: دعى، أى: يندس في القوم ويلحق بهم في النسب ولا يكون منهم. سَنَسِمُهُ الوسم: أن تضع علامة على الشيء تميزه بها عن غيره.
الْخُرْطُومِ: هو في الخنزير كالأنف للإنسان.
المعنى:
أقسم الحق- تبارك وتعالى هنا بقوله: ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ أما القسم بالقلم وأثره فهو للإشارة إلى عظم النعمة بهما وأنهما من النعم على الإنسان بعد المنطق والبيان، إذ على قدر انتشارهما في أمة يكون مقدار نبوغها وتقدمها بين الأمم على أن هذا الإقسام بهما لفت أنظار العالم إلى خطرهما وأثرهما.
وما أروع لفظ وَما يَسْطُرُونَ حيث يشمل كل فنون الكتابة والتعبير عما في الضمير بالرسم والتصوير، ويشمل كل آلة أو نظام استحدث للتوصل إلى ذلك من آلات ومعدات حدثت أو ستحدث، وهكذا القرآن، لأنه صادر من علام الغيوب الذي يعلم ما كان وما سيكون من البشر، تجده يختار العبارات التي تشمل كل المخترعات ألا ترى إلى قوله: وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ [سورة النحل آية 8] .
ولعلك تدهش حين تعلم أن هذه السورة من أوائل السور نزولا، وكانت سورة اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ أول سورة نزلت، ولكن لا غرابة فهذا دين سماوي يعرف مقدار الكتابة والقراءة وأثرهما في نظام الدنيا، ثم يكون هذا كله على يد نبي أمى عربي لا يقرأ ولا يكتب؟ وأقسم الله بالقلم وما يسطرون به ما أنت يا محمد- بنعمة ربك وفضله- بمجنون، كما يصفك هؤلاء المشركون، وكأن المعنى: انتفى عنك الجنون بسبب ما أنعم الله عليك من خلق كريم، ورعاية من ربك الرحمن الرحيم، وكيف تكون مجنونا، وأنت العاقل الصادق الأمين، بإقرارهم جميعا؟! وكيف ذلك؟! وإن لك لأجرا غير مقطوع، إنه عطاء غير محدود، على ما قمت به من تبليغ الرسالة وأداء الأمانة، وما تحملت في سبيل ذلك من عنت وإرهاق، كيف يكون مجنونا من يقوم بعبء هذه الرسالة؟! والحال أنك على خلق عظيم، وإذا شهد الله هذه الشهادة فهل بعد ذلك شيء.
إذا كان الأمر كذلك، وأنك في عناية الله ورعايته، وأنك خاتم رسله وإمام أنبيائه فستبصر ويبصرون حقيقة الأمر، وأن الله مع المؤمنين، وهو ناصر رسله على الكفار والمشركين، وقد كان المشركون يعتزون بعددهم وأموالهم وأولادهم ويسترسلون في إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم وربما تأثر النبي بشيء من ذلك، ولكن الله يطمئنه- ووعده الحق- أن النصر في جانبه، وأن الدائرة عليهم.
فستعلم ويعلمون: من منكم هو المجنون؟ «1» ، وهذا كلام مبنى على التعريض بالمشركين بأن الجنون فيهم لا يعدوهم إلى غيرهم، ووصفه تعالى لهم بالجنون مشاكلة،
(1) - هذا هو المعنى المراد من قوله «بأيكم المفتون» وللوصول إليه قلنا بأن الباء صلة، أى: زائدة، ويصح أن نقول: إن (المفتون) ليس اسم مفعول ولكنه مصدر كالمعقول.
وفي الواقع ليس فيهم جنون حقيقة بل وصفوا به من حيث إعراضهم عن الحق واتباعهم الهوى والباطل: ولا شك أن من كان كذلك كان جديرا بالجنون، وحيث نصر الله عبده وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده علموا وعلم الكل أنهم كانوا كالمجانين حين كذبوا وكفروا، لا عجب في ذلك الحكم فربك هو أعلم- لا يعلم غيره- بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين، إذ هو خلق الناس من تراب ثم من نطفة ثم من علقة، فهو تعالى يعلم الذين حادوا عن السبيل، أو هدوا إلى صراط العزيز الحميد.
إذا كان الأمر كذلك فلا تطع المكذبين بحال من الأحوال في أى شيء يطلبونه، إنهم ودوا من صميم قلوبهم لو تداهن في أمر يطلبونه، فهم يدهنون «1» كذلك، أى:
يكافئونك على ملاينتك لهم.
كان النبي صلى الله عليه وسلم في أول الدعوة يقف وحده أمام قوى الأعداء المتكاثرة ومع هذا كانوا يعرضون على النبي أن يلاينهم نوعا ما فلا يذم آلهتهم، ولا يسفه أحلامهم وهم لذلك لا يهاجمون المسلمين، وربما وقع في نفس النبي بعض الشيء من هذا الكلام فجاءت هذه الآية فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ شحنا للعزائم، وإلهابا للهمة، بعد أن ذكره ربه في فاتحة السورة بما كان يصفه به أولئك المشركون من أنه مجنون وأفاك أثيم، فكيف بعد هذا يصانعهم أو يمالئهم، كان هذا تعليما إلهيا للنبي ولأصحاب الدعوات، إذ هذا غالبا ما يؤخذ سلاحا يطعن به الأشراف والأبرياء وأصحاب الدعوات، وهذا نهى للنبي عن إطاعة الكفار المكذبين مطلقا، ثم نهاه عن إطاعة نوع خاص فيه صفات خاصة، كل واحدة كفيلة بالتحذير من الطاعة، وهذه اجتمعت في الوليد بن المغيرة على الصحيح، وقيل: في غيره.
ولا تطع كل حلاف كثير الحلف باليمين، فإنه لا يكثر الحلف إلا إذا كان معتقدا أن مخاطبه لا يصدقه، ولا بد أن يكون كذابا بينه وبين نفسه وبينه وبين ربه.
مَهِينٍ أى: ذليل حقير في عقله ورأيه، لا في شخصه وماله. هَمَّازٍ:
كثير الهمز واللمز، والطعن في الناس والغض منهم وذكرهم بالمكروه مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ يمشى بين الناس بالسعاية والفساد وإيقاع العداوة والبغضاء. مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ يمنع
(1) - جملة (ودوا لو تدهن) تعليل للنهى قبله، فيدهنون: الفاء للسببية، ويدهنون خبر لمبتدأ محذوف، وعطف هذه الجملة على ما قبلها عطف مسبب على سبب.