الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعنى:
يا أيها الذين آمنوا: اتقوا الله حيثما كنتم، وفي أى عمل عملتم، ولتنظر كل نفس إلى أى شيء قدمته من الأعمال ليوم القيامة، ولتحاسب نفسها عما عملت، قبل أن تحاسب هي عليه، وفي هذا حث عظيم على النظر فيما ينفع لغد، وبيان أن النظر فيه قليل، واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون، وسيجازيكم عليه إن خيرا فخير، وإن شرّا فشر.
وإياكم أن تكونوا كالذين نسوا حقوق الله وما قدروا الله حق قدره، ولم يراعوا الواجب عليهم نحو الذات الأقدس- جل شأنه- لا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم الله بسبب ذلك أنفسهم فلم يعملوا لخيرها، ولم يحصلوا ما يخلصها يوم القيامة، أولئك الذين نسوا الله هم الفاسقون الكاملون في الفسق والفجور، فإياكم أن تكونوا مثلهم، واعلموا أنه لا يستوي أصحاب النار الذين عملوا لها حيث خالفوا أمر الله في كل شيء وأصحاب الجنة الذين اتقوا الله فاستحقوا الخلود في الجنة، أصحاب الجنة هم الفائزون وحدهم، وفي هذا تنبيه للناس وأى تنبيه؟ وإيذان لهم بأنهم لفرط غفلتهم وقلة تفكيرهم في الآخرة وأحوالها، كأنهم لا يعرفون أن هناك فرقا بين أصحاب الجنة وأصحاب النار، وهذا كما تقول لمن يسيء إلى أخيه: هذا أخوك.
يا أيها الذين آمنوا: ألم تعلموا أن معكم حبل الله المتين، وكلامه الكريم، وقرآنه المجيد، فكيف لا تتعظون به؟ وكيف لا تملأ قلوبكم خشية عند سماع كلامه؟ مع العلم أنه لو أنزل هذا القرآن على جبل، وكان له عقل يميز- مع أن الجبل علم في القساوة- لرأيته خاشعا متشققا من خشية الله، وهذا تمثيل وتخييل لعلو شأن القرآن وقوة تأثير ما فيه من المواعظ والزواجر.
وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون.
واعلم أن الذي أنزل القرآن وأمر بالتقوى هو الله- جل جلاله واجب الوجود أزلا وأبدا، الحاضر الذي لا يزول، المعبود فلا أحد يستحق العبادة غيره ولا معبود بحق
سواه، هو الرحمن الرحيم بخلقه في الدنيا والآخرة وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ «1» هو الله الذي لا إله إلا هو، صاحب الملك والملكوت بيده الأمر أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ «2» يعز من يشاء ويذل من يشاء وهو على كل شيء قدير، هو الملك القدوس المتنزه عن كل نقص وعيب، الكامل في كل شيء، ذو السلامة من كل ما يشينه ذاتا وصفات وأفعالا، وهو المؤمن المصدق لنفسه ولرسله بما أنزل من كتاب وما خلق من معجزات، سبحانه وتعالى وهب الأمن لعباده في الدنيا والآخرة، وهو المهيمن والرقيب على خلقه وملكه، أو هو الذي أمن على خلقه وملكه من كل شيء لإحاطة علمه وكمال قدرته، وهو العزيز الجبار الذي جبر خلقه على ما أراد، لا راد لأمره، ولا معقب لحكمه، وهو المتكبر الذي تكبر بربوبيته فلا شيء مثله، والكبرياء في صفات الله مدح، وفي صفات المخلوقات ذم،
وفي الصحيح عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه- تبارك وتعالى أنه قال: «الكبرياء ردائي والعظمة إزارى فمن نازعنى في واحدة منهما قصمته قذفته في النّار» .
سبحانه وتعالى عما يشركون!! هو الله الخالق المقدر لكل شيء، البارئ لهذا الكون والموجد له خاليا من تفاوت يخل به، وهو الذي أوجد صوره على حسب حكمته وإرادته.
لله سبحانه الأسماء الحسنى الدالة على محاسن المعاني وفضائلها وأشرافها.
يسبح له لأجل هذا كل ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم الجامع للكمال كله.
روى عن ابن عباس: اسم الله الأعظم في ست آيات من آخر سورة الحشر،
وفي رواية عن البراء عن علىّ- رضى الله عنهما- أنه قال: يا براء إذا أردت أن تدعو الله باسمه الأعظم فاقرأ من أول سورة الحديد عشر آيات. وآخر الحشر ثم قل: يا من هو كذلك، وليس شيء هكذا غيره، أسألك أن تفعل لي كذا وكذا
. والعبرة في هذا كله بالإخلاص وصفاء الروح، والقرآن كله- وخاصة أمثال هذه الآيات- مما يصفى الروح، وينقيها ويجعل دعاءها مقبولا
…
نفعنا الله بالقرآن آمين.
(1) - سورة الأعراف آية 156.
(2)
- سورة الأعراف آية 54.