الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
قَفَّيْنا قفى أثره: اتبعه، وقفى على أثره بفلان: أتبعه إياه، وعليه قوله: قفينا على آثارهم برسلنا، والمراد جعلناهم تابعين متأخرين عنهم في الزمان. رَأْفَةً وَرَحْمَةً وهما: شيء واحد، قال بعضهم: إذا اجتمعا كانت الرأفة درء الشر ورأب الصدع، وكانت الرحمة جلب الخير والمودة. وَرَهْبانِيَّةً الرهبنة والرهبانية: هي المبالغة في العبادة والرياضة الروحية، والانقطاع عن الناس مع حمل النفس على المشقة والامتناع عن لذيذ المطعم والمشرب والنكاح. كِفْلَيْنِ الكفل: الحظ والنصيب:
وهو في الأصل كساء يكتفل به الراكب فيحفظه من السقوط، وعلى ذلك فالمراد:
يؤتكم نصيبين يحفظانكم من هلاك المعاصي.
المعنى:
وتالله لقد أرسلنا نوحا، وهو الأب الثاني للبشر، وأرسلنا إبراهيم وهو أب العرب، وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب، فكل الأنبياء من نسلهما، فكان من الذين أرسل إليهم رسل مهديون، وكان كثير منهم فاسقون، وتلك سنة الله مع الأنبياء جميعا، ولن تجد لسنة الله تبديلا، ثم أتبعناهم بعيسى بن مريم، فجاء متأخرا عنهم في الزمان، وآتيناه الإنجيل الصحيح الذي لم يحرف بعد، لا الإنجيل الذي هو موجود عند المسيحيين اليوم، فإن فيه التثليث والصلب، والله هو الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، والله قد نجى الأنبياء أولى العزم من أعدائهم وعصمهم من الكفار بهم فنجى نوحا من الغرق، ونجى إبراهيم من النار، ونجى موسى من فرعون، ونجى عيسى من اليهود، ونجى محمدا من كيد المشركين، وكفاهم جميعا شر المستهزئين، على أن نظرية الصلب التي في الإنجيل الموجود نظرية دليل بطلانها معها، ولا يقبلها عقل، ولا تقرها شريعة، ولكن أكثر الناس لا يعلمون وجعل ربك في قلوب حوارى المسيح وأصحابه السابقين رأفة ورحمة «رحماء فيما بينهم» .
وجعل في قلوبهم رهبانية مبتدعة لهم، فهم ابتدعوا رهبانية من عند أنفسهم، ما فرضناها عليهم رأسا، ولكن ابتدعوها وألزموا بها أنفسهم ابتغاء رضوان الله «1» فما رعوها حق رعايتها وما حافظوا عليها إذ أصبحت كالنذر عندنا، والنذر يذم صاحبه إذا ترك الوفاء به، والذين لم يرعوها هم المتأخرون، والذين ابتدعوها هم السابقون.
فآتينا الذين آمنوا منهم إيمانا صحيحا سليما- سواء مات قبل النبي صلى الله عليه وسلم أو عاش حتى أسلم به- أجرهم، وكثير منهم فاسقون لأنهم لم يؤمنوا بالإنجيل الصحيح فلم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم.
يا أيها الذين آمنوا بالله ورسله وداوموا على تقوى الله وعلى الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم إن تفعلوا ذلك يؤتكم بسبب ذلك نصيبين عظيمين يكفلان لكم الخلوص من هلاك المعاصي، ويجعل لكم نورا تمشون به، ويغفر لكم، والله غفور رحيم، وقيل المعنى:
يا أيها الذين آمنوا بعيسى اتقوا الله وآمنوا بمحمد يؤتكم كفلين من رحمته كفل على الإيمان بعيسى وكفل على الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم.
أعلمناكم بذلك ليعلم أهل الكتاب القائلون من آمن بكتابكم منا فله أجران ومن لم يؤمن بكتابكم فله أجر كأجوركم ليعلم هؤلاء أنهم لا ينالون شيئا من فضل الله، أى:
من الأجرين أو غيرهما، ولن يصيبهم خير ما لم يؤمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم فإيمانهم بالنبي عيسى لا ينفعهم بعد بعثة خاتم الأنبياء والمرسلين، فقولهم للمسلمين: من لم يؤمن بكتابكم منا فله أجر: باطل باطل.
واعلموا أن الفضل بيد الله وحده يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
(1) - على هذا المعنى تكون جملة (ما كتبناها عليهم) صفة رهبانية، و (إلا ابتغاء) استثناء منقطع، ويصح أن يكون متصلا على معنى: ما قضيناها عليهم وجعلناهم يبتدعونها لشيء من الأشياء إلا ليبتغوا رضوان الله.