الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعنى:
إنما يتذكر القرآن، ويتعظ بالمواعظ الإلهية أولو العقول الصافية من المؤمنين الذين يؤمنون بالغيب، والذين شرح الله صدورهم للإسلام، وهل هؤلاء الناس كمن انحرف عن الحق، وضل عن سواء القصد؟ .. ليس كل الناس سواء، فمن شرح الله صدره للإسلام، وخلقه مستعدا لقبول الحق فبقى على فطرته السليمة فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها فهو بسبب هذا متمكن من نور الحق مستقر على هدى الله، أفمن شرح الله صدره- كما ذكرنا- كمن قسا قلبه، وضاق صدره وغير فطرة الله بسوء اختياره وإعراضه عن آيات الله حتى لا يتذكر بها؟؟ لا يمكن أن يسوى هذا بذاك.
فويل شديد لمن قسا قلبه، وضاق صدره من أجل ذكر الله، الويل ثم الويل لهؤلاء الكفرة الذين إذا ذكر الله وحده أو تليت آية من آياته اشمأزت قلوبهم من أجل ذلك أولئك البعيدون في درجات جهنم في ضلال بيّن ظاهر.
عجبا لهؤلاء!! الله نزل أحسن الحديث، وهو القرآن الكريم، ولا شك أنه أحسن ما تحدث به الإنسان لأنه حديث الرحمن، وهو ذلك الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه لأنه تنزيل من حكيم حميد، وعزيز عليهم، وهل هناك أصدق من الله حديثا؟.
وروى عن سعد بن أبى وقاص أنه قال: قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لو حدثتنا؟
فأنزل الله- عز وجل: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ فقالوا: لو قصصت علينا؟
فنزل: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ فقالوا: لو ذكرتنا؟ فنزل: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ فالله نزل على محمد أحسن الحديث وأكمله وأعلاه، وما أروعه وأصدقه أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ؟ فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ.
الله نزل أحسن الحديث حالة كونه كتابا موصوفا بصفات هي التشابه، والمعنى أنه كتاب متشابه الأعجاز والأطراف، متشابه في المعنى والغرض، والصحة ودقة الحكم، وتتبع منافع الناس، فهو كما قالت الأعرابية في بنيها: هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها. فالقرآن كذلك- ولله المثل الأعلى- كله حسن وجميل وبليغ ودقيق، وكله من عند الله وكفى.
وهو كتاب يشبه بعضه بعضا وتثنى فيه القصص والمواعظ والأحكام، أى: تعاد وتكرر بمنتهى البلاغة وروعة التصوير ودقة التعبير.
هذا وصفه في نفسه، فإذا سمعه المؤمنون اقشعرت منهم الجلود، واضطربت منهم القلوب، ووجلت منهم النفوس، إذا سمعوا وعيد الله، ورأوا بعيون البصيرة ما أعد للمكذبين الكفار دمعت عيونهم وخشعت أصواتهم، واقشعرت جلودهم، ثم تلين قلوبهم وتسكن حينما يسمعون ذكر رحمة الله بالمؤمنين، تفرح نفوسهم، وتنشرح صدورهم إلى ذكر فضله على المؤمنين يوم لقائه.
عن أسماء بنت أبى بكر الصديق- رضى الله عنهما- قالت: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرئ عليهم القرآن- كما نعتهم الله- تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم، فقيل لها: فإن أناسا اليوم إذا قرئ القرآن خر أحدهم مغشيا عليه، فقالت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ومر ابن عمر- رضى الله عنه- برجل من أهل القرآن ساقطا، فقال: ما بال هذا؟ قالوا: إذا قرئ عليه القرآن وسمع ذكر الله سقط: فقال ابن عمر: إنا لنخشى الله وما نسقط.. ما كان هذا صنيع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ذلك- والإشارة إلى الكتاب الذي مر ذكر وصفه- هدى الله، يهدى به من يشاء من عباده ومن يضلله الله فما له من هاد يهديه بعده، ومن هنا ندرك أن القرآن وتلاوته وسماعه هو سر شرح الصدور، والعامل الأول في جلاء القلوب وإزالة صدأ النفوس.
هل يستوي المهتدى إلى نور الحق والضال عن سواء السبيل؟ لا يستويان بحال أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ؟ بمعنى: أكلّ الناس سواء؟ فمن شأنه أن يتقى- بوجهه الذي هو أشرف أعضائه- يتقى به العذاب السيئ يوم القيامة لأن يده التي جعلت للاتقاء بها مغلولة إلى عنقه كمن هو آمن لا يعتريه مكروه، ولا يصيبه سوء أبدا؟ من يسوى هذا بذاك؟ وكيف يستويان؟! أحدهما كافر بالقرآن متحزب مع الشيطان والآخر قد اهتدى بنور القرآن، وأفعم قلبه وصدره ببرد اليقين ونور رب العالمين.
ولا يستويان وقد قيل للظالمين: ذوقوا ما كنتم تكسبون، وهذا عذاب الكفار يوم القيامة، وهاك عذابهم في الدنيا: كذب الذين من قبلهم فأتاهم العذاب المقدر لهم