الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البنت تدفن حية. الصُّحُفُ: ما يسجل فيه العمل. كُشِطَتْ: أزيلت كما يكشط الجلد عن الذبيحة. سُعِّرَتْ: أوقدت نارها إيقادا شديدا.
أُزْلِفَتْ: قربت وأدنيت.
المعنى:
ابتدأ الله هذه السورة الكريمة بذكر علامات ودلائل تكون يوم القيامة. بعضها سابق عليه وبعضها يكون فيه، وعلى العموم فمقدمات البعث تكون بخراب الدنيا واختلال نظامها وهلاك كل من فيها، وذلك عند النفخة الأولى، في هذا الوقت تكور الشمس وتلف حتى لا يكون لها ضوء أو حرارة، والنجوم تتناثر وتسقط، وترجف الأرض وتضطرب فتزول الجبال من أماكنها، وتصبح كالعهن المنفوش، عند ذلك يملأ الخوف والاضطراب كل الكون، فلو فرض وكانت حياة عندئذ يذهل كل إنسان عن أعز شيء لديه، فتراه يهمل عشاره وكرائم ماله، بل تذهل كل مرضعة عما أرضعت لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ»
وترى الوحوش قد جمعت من كل مكان وأصبحت في صعيد واحد، والبحار سجرت بالزلازل حتى اختلطت وضاعت الحواجز بينها، وتعود بحرا واحدا، ويكون التسجير: معناه امتلاؤها بالماء. ولعل المراد بالتسجير هنا: ملؤها بالنار بدل الماء، ولا غرابة فباطن الأرض شديد الحرارة جدا بدليل البراكين التي تخرج منه، وليس ببعيد عند انتهاء الدنيا، أن تتشقق الأرض ويغيض الماء لتبخره، ثم يمتلئ البحر بالنار التي تخرج من باطن الأرض، تلك هي مقدمات البعث الأولى، وبعدها يكون البعث والحياة والنشور وهذا عند النفخة الثانية، ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ [سورة الزمر آية 68] .
هذه هي أولى مراحل البعث ذكرت بعد مقدماته، وإذا النفوس عادت إلى أبدانها، بعد أن كانت بعيدة عنها، وكانت الحياة الثانية لأجل البعث، وفيه يؤتى بالموءودة التي دفنت حية خوف الفقر أو العار، وتلك كانت عادة من عادات العرب في الجاهلية، فجاء الإسلام وحاربها وقضى عليها، واستبدل من أولئك الأعراب الذين كانوا يئدون
(1) - سورة عبس آية 37.
البنات أحياء عربا فيهم ظرف الإسلام، وحكمة المسلمين وغرس فيهم التربية الإسلامية العالية التي قوامها: لا ضرر ولا ضرار، والتمسك بأهداب الفضيلة والمثل العليا.
هذه الموءودة تسأل: لأى ذنب قتلت؟! لم يكن لها ذنب- علم الله- وهذا سؤال للتبكيت والتوبيخ والتسجيل عليهم، وإذا الصحف التي كتبت فيها الأعمال، وسجل فيها ما اقترفه كل إنسان، نشرت ليقرأ كل إنسان كتابه، ويعرف عمله وحسابه، وإذا السماء كشطت وأزيلت فلم يعد لها وجود. والظاهر- والله أعلم- أن المراد بكشط السماء هو رفع الحجاب فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ «1» فترى كل نفس عند ذلك عملها، وتقوم عليها شهودها، فتبصر ما لم تكن تبصره من قبل، وإذا الجحيم سعرت وأحميت نارها وأوقدت، وإذا الجنة أزلفت وقربت وقدمت للمتقين.
وإذا الشمس كورت، وإذا النجوم انكدرت
…
إلخ ما ذكر هنا من الأمور الاثنى عشر. وجواب هذا الشرط قوله: علمت نفس ما أحضرت، أى: إذا حصل هذا- ما ذكر- علمت نفس ما قدمت من عمل إن كان خيرا فجزاؤه خير، وإن كان شرّا فجزاؤه شر.
وقد فصل هنا ما أجمل في سورة «ق» عند بيان ما يسبق الحساب فقال هناك:
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ وقال هنا: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ إلى قوله:
وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ وهنا أجمل في ذكر ما يحصل يوم الحساب حيث اكتفى بسؤال الموءودة، وتسعير جهنم. وتقريب الجنة، وفي سورة «ق» فصل كثيرا حيث قال:
وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ
…
... إلخ. الآيات.
اعتاد العرب في كلامهم أنهم إذا أقسموا على إثبات أمر واضح ظاهر، قالوا:
لا أقسم إشارة إلى أنه لا يحتاج إلى قسم، وقيل: إنه يؤتى بلا في القسم إذا أريد تعظيم المقسم به على ما فصلناه عند قوله: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ «2» وعلى ذلك يمكننا أن نفهم قوله تعالى هنا: فلا أقسم بالخنس.
(1) - سورة ق آية 22.
(2)
- سورة القيامة الآية الأولى