الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعنى:
لقد وصف الله الكفار بأن في أعينهم ضعفا في البصر، والمراد أنهم يتعامون عن الحق، وهنا وصفهم بالصمم والعمى فكان ترتيبا طبيعيا، وتصويرا رائعا لما عليه الإنسان عند أول اشتغاله بالدنيا وتعلقه بها، يكون كمن في عينه رمد بسيط ثم إذا أوغل فيها وتمكنت منه كان كالأعمى والأصم.
والمراد إنكار وتعجيب من أن يسمع النبي صلى الله عليه وسلم مهما كان من في أذنه صمم وفي عينه عمى كان مستقرّا في الضلال المبين لا يفارقه ولو إلى حين، على أن المقصود بالعمى والصمم هو عمى القلب وصممه فهو عمى معنوي لا حسى، ومن كان كذلك فقد ختم الله على قلبه، وجعل على عينه حجابا كثيفا فلن يبصر شيئا ولن يسمع خيرا أبدا، وهؤلاء لا تقدر أنت يا محمد على هدايتهم فلا تذهب نفسك عليهم حسرات، وتظن أنك قصرت في دعوتهم أبدا، فإما نذهبن بك ونتوفينك إلينا قبل أن ترى عقابهم في الدنيا، فثق أنا منهم منتقمون أشد انتقام لموقفهم هذا، وإما نرينك في حياتك الذي وعدناهم من الذل والهوان ونصرة الحق، ودخول الناس في دين الله أفواجا فإنّا عليهم مقتدرون، والله بكل شيء محيط. وعلى كل شيء قدير. فكن قرير العين مطمئن القلب إلى نصر الله، والله ينصر من يشاء.
وإذا كان الأمر كذلك فاستمسك بالذي أوحى إليك من القرآن، وتمسك بأهدابه واحرص عليه، واعمل به، وادع الناس إليه مهما كلفك هذا.
لماذا؟ لأنك ما دمت متمسكا به فأنت على الصراط المستقيم.
وعلى أنه ذكر لك ولقومك، وشرف عظيم وأى شرف يدانيه لك ولقومك؟
فالعرب- كما يقص علينا التاريخ- كانوا قبل البعثة المحمدية محصورين في شبه الجزيرة العربية لا يحس بهم أحد من جيرانهم، وكانوا في شظف من العيش، وتحلل في الخلق، وتقاتل وتنازع لأتفه الأسباب، وكانوا في جاهلية جهلاء وضلالة عمياء فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ [قريش 3، 4] .
فلما أراد الله أن يبرز من هؤلاء الرعاة الجفاة الغلاظ الأكباد المتقاطعين المتباذلين أمة ذات حضارة ومدنية وعلوم ومعارف، ونهضة وحكومة، وجيش وقيادة، أمة لها
سلطان ونظام مالي ورجال، لما أراد ذلك من عليهم بأن أرسل من أنفسهم رسولا يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين وظلت الأمة العربية وستظل إن شاء الله أمة ترنو لها الأبصار، وتحط عندها الرحال، ولها الأثر الكبير في توجيه السياسة العامة للعالم كله.
فحقا إنه لذكر لك ولقومك! وسوف تسألون عن هذا كله يوم القيامة.
وكان من أهم أسباب نفرة المشركين عن الإسلام أنه دين يدعو إلى التوحيد وذم الأصنام وترك عبادة الأوثان، فجاء القرآن بشتى الصور يبين أن أمر التوحيد ليس بدعا عند الإسلام بل هو أساس كل دين. وقال: واسأل من أرسلنا قبلك من رسلنا..
الآية.
واسأل من أرسلنا من الرسل قبلك، أجعلنا «1»
من دون الرحمن آلهة يعبدون فالمسئولون هم الرسل ولذلك فالآية مكية، وقيل: المسئول أمم الرسل، وعلى ذلك فالآية مدنية، ونص القرآن يحتمل هذا وذاك، وليس المقصود على الرأيين نفس السؤال بل المراد انظر في أديانهم وابحث عن مللهم وادرس كتبهم التي لم تحرف لترى جواب هذا السؤال، وأن الأديان كلها متفقة على التوحيد الخالص البريء، وعلى نفى عبادة غير الله.
فأقروا بذلك يا أهل مكة واعملوا على هذا الأساس، وآمنوا بالله ورسوله حقا يؤتكم كفلين- جزأين- من رحمته ويدخلكم الجنة عرفها لكم.
(1) - الاستفهام للإنكار. [.....]