الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعنى:
وبالله لقد يسرنا القرآن وسهلناه بأن أنزلناه بلسان عربي مبين، وملأناه بالحكم والمواعظ والقصص التي تفيد العبرة، فعلنا ذلك للذكر والاتعاظ فهل من مدكر؟!! وقيل المعنى: سهلنا القرآن للحفظ فهل من طالب للحفظ فيعان عليه؟ والمعنى الأول هو الأنسب بالمقام.
وهذه قصة عاد: لقد كذبت رسولها هودا فانظر كيف كان عذابي وإنذارى بهم؟! إنا أرسلنا «1» عليهم ريحا صرصرا عاتية، سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما لا خير فيها أبدا، وكان هلاكهم في يوم نحس وشؤم عليهم، يوم مستمر حتى أهلكهم، ولا شك أنه يوم مرّ كريه، وهذه الريح كانت تنزع الواحد منهم وتقلعه إذا دخل حفرة أو كهفا في جبل كأنهم والحالة هذه أعجاز نخل منقطع عن مغارسه ساقط على الأرض.
فانظر كيف كان عذابي للكفار المكذبين وإنذارى؟! ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر! وتلك قصة ثمود: لقد كذبت بالرسل جميعا إذ تكذيب صالح- وهو واحد منهم- تكذيب للكل، كذبت ثمود بالنذر، فقالوا منكرين رسالة نبيهم صالح: أبشرا منا واحدا منفردا لا تابع معه. وليس من الأشراف نتبعه؟! إن اتبعناه لنكونن في ضلال وجنون.
عجبا لهذا الرجل! أألقي عليه الذكر، وأنزل عليه الوحى من بيننا؟ وفينا من هو أحق منه لغناه وعلو شرفه وكثرة أتباعه! ليس الأمر كما يدعى صالح. بل هو كذاب شديد البطر كثير الفرح والمرح يتعاظم علينا بهذه الدعوة، والله سبحانه يرد عليهم بقوله لصالح: سيعلمون غدا- وإن غدا لناظره قريب- من هو الكذاب الأشر.
وكانوا قد طلبوا من صالح آية لهم، وأراد الله إبرازها فتنة لهم، فأخرج الناقة من الهضبة إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ إنا مخرجوها لهم فتنة وابتلاء وآية فانتظر يا صالح واصبر على أذى قومك، فقد قرب اليوم الموعود ونبئهم أن الماء قسمة بينهم، أى:
(1) جملة استئنافية لبيان ما أجمل أولا في قوله: كيف كان عذابي ونذر.
بين آل ثمود، وبين الناقة، لها يوم ولهم يوم لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ روى ابن عباس: كان يوم شربهم لا تشرب الناقة شيئا من الماء، وتسقيهم لبنا.
وإذا كان يوم الناقة شربت الماء كله فلم تبق لهم شيئا، ونبئهم يا صالح: أن الماء مقسوم بينهم: لها يوم، ولهم يوم، كل شرب ونصيب محتضر، أى: يحضره صاحبه في نوبته لا يتعداه كما روى عن ابن عباس.
ولكن ثمود ملوا هذه القسمة، وطغوا وبغوا، وعزموا على عقر الناقة فنادوا صاحبهم الجريء في الباطل، قيل: اسمه قدار بن سالف، فتعاطى هذا الفعل الشنيع واجترأ على قتل الناقة فعقرها، فاستحقوا غضب العزيز الجبار، فانظر كيف كان عذابهم وإنذارهم؟ إن ربك أرسل عليهم صيحة واحدة من جبريل، فصاروا بسببها كالشجر الجاف الذي يجمعه صاحب الغنم ليعمل حظيرة تمنع عن غنمه عوائد البرد والسباع.
ولقد يسرنا القرآن للذكرى والموعظة، فهل من متذكر أو متعظ بما حل بغيره؟
وأما قوم لوط فقد كذبوا بالنذر وعصوا أخاهم لوطا، وارتكبوا من الفواحش أحقرها- كما عرفنا سابقا عنهم- ولذا أرسل الله عليهم ريحا حاصبا أهلكتهم وأبادتهم جميعا إلا آل لوط الذين آمنوا به فقد نجاهم ربك بسحر، فعل بهم ذلك إنعاما من عند الغنى الحكيم، مثل ذلك يجزى ربك من شكر، ويعذب من كفر، ولا غرابة في ذلك فلقد أنذرهم لوط بطشتنا وشدتنا، فجادلوه وكذبوا بالنذر، ولقد راودوه عن ضيوفه، وما علموا أنهم من الملائكة وأنهم جاءوا لتنفيذ الوعيد بهم فطمس الله عيونهم، وقال لهم على لسان الملائكة: ذوقوا عذابي ونذر، ولقد نزل بهم العذاب في الصباح الباكر، فذاقوا عذاب البطش الشديد ونذره، ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر؟! ولقد جاء آل فرعون النذر الكثيرة والآيات المادية التسع، ولكنهم كذبوا بالآيات كلها، فأخذهم ربك أخذ عزيز مقتدر حيث أغرق فرعون وجنده، ونجى موسى ومن آمن معه، وكذلك ينجى ربك المؤمنين، ويعذب الكفار المكذبين فهل من مدكر؟!