الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
حم تقرأ كأخواتها حاميم، ومن جهة
المعنى
فالله أعلم به وإن كان الظاهر أنها كأداة الاستفتاح التي يؤتى بها لتنبيه المخاطب لخطر ما بعدها، أو هي مسوقة لتأكيد إعجاز القرآن وتحديه لهم كما سبق فُصِّلَتْ: بينت وميزت أتم بيان وأروع تفصيل أَكِنَّةٍ: جمع كنان كغطاء وأغطية والكنان- وهو ما يسمى بالجعبة الذي يجعل فيه السهام وَقْرٌ: صمم حِجابٌ: ساتر، والمراد خلاف فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ:
توجهوا إليه وَوَيْلٌ: كلمة تهديد لهم، وقيل. اسم واد في جهنم مَمْنُونٍ:
مقطوع.
المعنى:
حم: هذا تنزيل من الرحمن الرحيم والرءوف بعباده الخبير البصير، كتاب وأى كتاب يدانيه؟ هو كتاب أحكمت آياته لأنها من الحكيم العليم، وفصلت آياته وميزت لفظا بفواصلها ومقاطعها، ومبادئ السورة ونهايتها. وفصلت آياته معنى: فهذا وعد وذاك وعيد، وهذا قصص وذلك أحكام وتنظيم، وبعضها في الله وبيان قدسيته وكمال قدرته، وعجائب رحمته، وأحوال خلقه، وعظمة ملكوته، وهذه آيات في المواعظ تضطرب لها القلوب وتخضع لها الجباه، وهذه آيات في فلسفة الأخلاق الإسلامية، وبناء الأسرة وتكوين الجماعة، وماذا نقول؟ إن السكوت في هذا لبيان وبلاغة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
وانظر يا أخى- وفقك الله للخير- إلى قوله: تنزيل من الرحمن الرحيم، أى: هذا المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم من الرحمن الرحيم، وفي هذا إشارة إلى تمام النعمة، وكمال الرحمة حيث نزل القرآن شفاء لما في الصدور. وهدى ورحمة للعالمين وهو تبيان لكل شيء، والجامع لكل فضل، والأساس لكل علم، وهو مفتاح السعادة وطريق النجاة، من تمسك به نجا، ومن هدى إليه سما إليه الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم ولم يكونوا من المغضوب عليهم ولا الضالين.
وكيف لا يكون القرآن فوق هذا وأكثر منه! وهو تنزيل رب العالمين الرحمن الرحيم!!
وكتاب فصلت آياته حالة كونه قرآنا عربيا نزل بلغة العرب، وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه، فهو أنزل عربيا لقوم يعلمون أسراره ويدركون معانيه وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ «1» حالة كونه بشيرا لمن آمن، ونذيرا لمن عصى فنشأ عن وصف القرآن بهذه الصفات أن أعرض عنه أكثر أهل مكة فهم لا يسمعون سماعا ينتفعون به.
وقالوا: قلوبنا في أغطية تمنعنا من فهم ما تدعونا إليه من أمر التوحيد والإقرار بالبعث والتصديق بالرسالة، وفي آذاننا وقر وصمم يمنعنا عن السماع، ومن بيننا وبينك حجاب سميك ابتدأ من عندنا وانتهى إليك. هذا الحجاب يمنعنا عن سماع ما تدعو إليه تراهم وصفوا أنفسهم بثلاث صفات: قلوبهم في أغطية، وفي سمعهم صمم، وبينهم وبينك حجاب.
يقول بعض العلماء: هذه تمثيلات لبعد قلوبهم عن إدراك ما يدعوهم إليه واعتقاده، ومج أسماعهم له وامتناع مواصلتهم وموافقتهم للرسول، وقيل: إنهم شبهوا قلوبهم بالشر المحاط بالغطاء المحيط له بجامع عدم الوصول له من أى ناحية: وشبهوا أسماعهم بآذان بها صمم حيث لم تنتفع بشيء من دعوة النبي، وشبهوا حال أنفسهم مع الرسول بحال شيئين بينهما حجاب سميك يمنع من وصول أحدهما إلى الآخر.
وإذا كان الأمر كذلك فاعمل على دينك، إننا عاملون على ديننا.
وانظر إلى رد القرآن عليهم الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم: قل لهم: إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد، أى: لست ملكا ولا جنيا، وإنما أنا بشر مثلكم وواحد منكم فكيف تقولون: إن بيننا وبينك حجاب؟ والحجاب المانع عن التفاهم يعقل لو كان النبي من جنس آخر أو يتكلم بلغة أخرى لا تفهم، وكأن النبي يسل سخائم حقدهم بقوله: أنا بشر مثلكم لم أزد عليكم في شيء، ولست مكلفا بأكثر مما يعمله البشر غاية الأمر أنه أوحى إلى أنما إلهكم إله واحد، وكلفت بتبليغكم هذه الحقيقة فكيف نقول: إن قلوبنا في أكنة من هذه الحقيقة، وفي آذاننا وقر فلا نسمعها، أى أن دعوتكم حقيقة يقر بها العقل، ويدعو إليها المنطق السليم، والعقل الرشيد، فكيف يكون هذا موقفكم من هذه الدعوة؟!
(1) - سورة فصلت آية 44.