الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
أَنْداداً: جمع ند وهو الشريك رَواسِيَ: هي الجبال الثابتة سَواءً:
استوت بلا زيادة ولا نقصان اسْتَوى إِلَى السَّماءِ: قصد، أى: تعلقت إرادته بها دُخانٌ الدخان: ما ارتفع من لهب النار، ويراد به ما يرى من بخار الأرض عند جدبها، وفي الحقيقة هو شيء الله أعلم به يشبه الدخان في رأى العين فَقَضاهُنَّ:
أكملهن وفرغ منهن بِمَصابِيحَ المراد: بنجوم كالمصابيح.
وهذا بيان لوحدانية الله التي أوحى بها لرسوله حيث ذكر هنا مظاهر قدرته التي تثبت له الوحدانية، وتنفى عنه الشركة مع تأنيب المشركين وتعنيفهم على كفرهم.
المعنى:
قل لهم يا محمد: أإنكم «1» لتكفرون بالله الذي خلق الأرض في يومين، وتجعلون له أندادا وشركاء؟! وهو منزه عن الشريك والند، والمراد بخلق الأرض هنا- كما هو الظاهر- تقدير وجودها، والحكم بأنها ستوجد لا خلقها وإيجادها بالفعل، ولا غرابة في هذا فالله يقول: إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ
«2» فخلقه من تراب، أى: أراد خلقه وقدره بالفعل وإلا لما كان لقوله تعالى: كن فيكون معنى أبدا.. والمراد باليوم الوقت مطلقا لا اليوم المعروف، لأنه لم يكن هذا النظام وجد بعد.
وكفرهم بالله يتمثل في جدالهم في ذاته وأفعاله، وإنكارهم لوصفه بكل كمال وتنزهه عن كل نقص، وإنكارهم قدرته على البعث وإرسال الرسل، وغير ذلك من عقائد الكفار.
ذلك الموصوف بخلق الأرض في يومين- وما سيعطف على هذا في آخر الآية- هو الله جل جلاله، وتعالت أسماؤه رب العالمين رب كل ما في السموات والأرضين! فكيف تجعلون من هذه الكائنات المخلوقة التي تقر له بالربوبية بلسان الحال أو المقال
(1) الهمزة هنا للاستفهام الإنكارى، واللام التي في (لتكفرون) لتأكيد الإنكار، وتقديم الهمزة لصدارتها لا لإنكار التأكيد.
(2)
- سورة آل عمران آية 59.
كيف تجعلون منها شريكا وندا؟ تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا خلق الأرض في يومين، وجعل فيها رواسى ثابتات من الجبال الشامخات قدر ذلك وأراد أن تكون الجبال من فوقها كأوتاد، وانظر إلى قوله: خلق الأرض وجعل فيها رواسى فالخلق إيجاد من العدم. والجعل تحوير وتبديل في نفس الشيء فكان الخلق بالأرض أولى، وكان الجعل بالرواسى أنسب.
وبارك فيها أى قدر- سبحانه- أن يكثر خيرها. ويزداد نفعها من نبات وحيوان وأنهار ومعادن، وقوى خفية فيها سيظهرها علام الغيوب على أيدى سكان تلك المعمورة.
وقدر فيها أقواتها، وبين كميتها وأقدارها التي تتناسب مع سكانها وأبنائها وقد سمعنا أن سكان الأرض عددهم (كيت) فأصبحوا الآن يزيدون أضعافا مضاعفة وهم في ازدياد مطرد ومع هذا فالأقوات موجودة والخير كثير، وإنما نحن في حاجة إلى مواصلة الجهود، واستخدام الطاقة والانتفاع بالطبيعة في كل مظاهرها.
كل ذلك حصل في أربعة أيام: استوت استواء بلا نقصان ولا زيادة، يومان في خلق الأرض، ويومان في جعل الرواسي وتقدير الأقوات فتلك أربعة كاملة، ثم يومان آخران في السموات السبع فتلك ستة أيام كما نطقت الآيات، والله هو القادر على خلق العالم كله علويه وسفليه في لحظة، ولعله يعلمنا التأنى، ويرشدنا إلى الصبر.
ثم استوى إلى السماء وقصد إليها، وهي دخان الله أعلم وحده بكنهه وحقيقته، وكل ما وصل إلينا عن طريق الأخبار فشيء لا نجزم بصحته، وما يقرره العلم كنظرية السديم فشيء ينقصه الدليل العلمي القاطع: فقال لها وللأرض: ائتيا طوعا أو كرها، والظاهر والله أعلم أن الأمر في قوله: ائتيا طائعين أو مكرهين للأرض والسماء أمر تكويني كقوله لشيء كن فيكون، أى: كونا وأحدثا على وجه معين، وفي وقت مقدر، ويكون- كما قلنا- خلق الأرض، وجعل فيها رواسى، وبارك، وقدر فيها أقواتها كلها مراد منها التقدير، أى: قدر خلق الأرض وجعل الرواسي والبركة وتقدير الأقوات، ويكون هنا قوله: ائتيا طوعا أو كرها بيان لكيفية التكوين إثر بيان كيفية التقدير.