الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
تُجادِلُكَ: تراجعك. يَظْهَرُونَ أى: يقولون لنسائهم: أنت على كظهر أمى، أى: في الحرمة. مُنْكَراً أى: قولا منكرا ينكره الشرع، ويأباه الطبع السليم. وَزُوراً: كذبا وبهتانا. فَتَحْرِيرُ أى: فعتق إنسان مؤمن كامل. أَنْ يَتَمَاسَّا أى: بالنكاح أو المتعة. تُوعَظُونَ أى: تزجرون به حتى لا تعودوا لمثله أبدا.
كانت خولة بنت خويلد «1» الخزرجية تحت أوس بن الصامت أخى عبادة بن الصامت، وكانت حسنة الجسم فرآها زوجها ساجدة فنظر عجيزتها فأعجبه أمرها، فلما انصرفت أرادها فأبت فغضب عليها- قال الراوي: وكان أوس شخصا به شيء من جنون- فأصابه بعض حالاته فقال لها: أنت على كظهر أمى! وكان الإيلاء- وهو حلف الرجل على امرأته ألا يطأها مدة- والظهار من الطلاق في الجاهلية، فسألت خولة- وقد سمعت زوجها يظاهرها- النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك
فقال لها: «حرمت عليه»
فقالت: والله ما ذكر طلاقا، ثم قالت: أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي ووحشتي وفراق زوجي وابن عمى، وقد نفضت له بطني،
فقال النبي: «حرمت عليه»
فما زالت تراجعه ويراجعها حتى نزلت عليه هذه الآية.
المعنى:
قد سمع الله قول المرأة التي تجادلك في شأن زوجها- وهي خولة بنت ثعلبة- والحال أنها تشتكي إلى الله ضعفها وقلة حيلتها، وفراقها لزوجها ووحشتها، والله هو السميع بذاته لكل مسموع، البصير بذاته لكل مبصر، تقول عائشة- رضى الله عنها-: تبارك الذي وسع سمعه كل شيء إنى لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة، ويخفى على بعضه، وأنا وهي في حجرة واحدة، سمعتها وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله قائلة:
يا رسول الله أكل شبابي، ونثرت له بطني، حتى إذا كبر سنى وانقطع ولدي ظاهر
(1) - وفي رواية هي خولة بنت ثعلبة، ولا حرج إذ قد تنسب المرأة إلى أبيها أو جدها.
منى، اللهم إنى أشكو إليك! فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الآية. فحقّا: إن الله سميع بصير بخلقه.
هذه الفعلة التي هي عملية الظهار- قول الرجل لزوجه: أنت علىّ كظهر أمى- فتصبح محرمة عليه، ولا تعود إلا إذا كفّر كما سيأتى- هذه الفعلة ما حكمها؟.
الواقع أن الظهار ممقوت شرعا، وهو قول منكر وزور، إذا أمك هي التي ولدتك وزوجك هي زوجك فلا يصح أن تجعل زوجك محرمة عليك كأمك أبدا.
أبعد أن يقول الله: إن الظهار منكر من القول وزور وبهتان، وإنه لعفو غفور عما فرط؟ هل يشك عاقل في أن الظهار أمر محرم شرعا ولا يصح فعله؟
وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ
…
وهذا تفصيل لحكم الظهار، وبيان لحكمه الخاص بعد بيان حكمه العام الذي يفيد أنه منكر وزور.
والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لقولهم، أى: فيه، فعليهم كفارة شديدة والعود في الظهار لأنه مطلق في الآية اختلف فيه أئمة الفقه الإسلامى فالعود عند الشافعى يحصل بإمساك الزوجة المظاهر منها زمانا بعد الظهار يمكنه مفارقتها فيه ولم يفعل، فيعتبر عائدا في ظهاره، أى: أنه ظاهر ولم يتبعه بطلاق فيكون عائدا، وعند الأحناف يحصل باستباحته الاستمتاع بها مطلقا، وعند مالك يحصل بالعزم على الجماع وعند بعضهم بالجماع نفسه، والآية تحتمل كل هذا، ولم تخصص السنة الصحيحة شيئا.
هذه الكفارة الواجبة على الزوج المظاهر العائد في ظهاره هي: عتق رقبة مؤمنة سليمة من كل عيب، هذا العتق يكون قبل أن يتماس الزوجان بالوطء، فلا يقرب المظاهر من امرأته ولا يباشرها ولا يتلذذ بها بشيء حتى يكفر، خلافا لمن يقول: المحرم الوطء فقط، فإن وطئها قبل التكفير استغفر الله وأمسك حتى يكفر كفارة واحدة فقط وإن وطئها مرارا، ذلك- والإشارة إلى هذه الكفارة المشددة- تؤمرون به، وتزجرون عن ارتكاب مثل هذا المنكر، فليس هذا الحكم المشدد لتكتسبوا ثوابا، بل هو للردع والزجر عن ارتكاب ما يسببه الظهار فمن لم يجد الرقبة ليعتقها فعليه صيام شهرين متتابعين فإن أفطر فيهما لعذر قيل: لا ينقطع التتابع، وقيل: ينقطع، أما إفطاره