الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ أى: يزداد في عمره فُراتٌ: شديد العذوبة، يقال: فرت الماء فروتة: عذب أُجاجٌ: شديد الملوحة، يقال: أج الماء أجوجا:
إذا اشتدت ملوحته حِلْيَةً: ما يتحلى به من سوار أو خاتم مَواخِرَ: تمخر الماء، أى: تشقه شقاّ في إقبالها وإدبارها قِطْمِيرٍ: هو لفافة النواة، أى: القشرة الرقيقة التي تكون على النواة.
وهذا دليل آخر على قدرة الله وفضله ونعمه علينا، وهذا مما يجعل البعث أمرا ممكنا من صاحب هذه القدرة.
المعنى:
والله خلقكم يا بنى آدم من تراب خلق أباكم منه، ثم خلقكم أنتم من نطفة من ظهور آبائكم، ثم جعلكم أزواجا وأصنافا وأشكالا متباينة لا يكاد يتفق إنسان مع أخيه، أليس في هذا دليل قاطع على إمكان البعث؟ فإنهم كانوا يفهمون إحالته لبعد ما بين الحياة والموت، فبعد أن نكون ترابا كيف تعاد لنا الحياة؟ وبين التراب البارد المتفرق، والحياة وما فيها من حرارة وتجمع بون شاسع، ولذا يرد الله عليهم بأنه لا غرابة في ذلك، فقد خلق آدم- وهو إنسان حي- من تراب وبينهما بون شاسع: وخلقناه من نطفة، وهل بين الذرة من منى الرجل والمرأة، وبين الإنسان منا الذي يعقل ويسمع ويتحرك ويمشى بون شاسع أم لا؟! وإذا كان الأصل واحدا فما هذا الاختلاف في الشكل واللون والخلقة والطبيعة والعادة في كل شيء؟ أليس هذا دليلا على القدرة، وعلى إمكان إعادة الخلق يوم القيامة للحساب؟
ولا يدورن بخلدك أن جمع الأجزاء المتفرقة غير ممكن لاستحالة الإحاطة بالجزئيات التي تفرقت في التراب أو في جوف المياه أو بطون السمك والسباع، لا تظن هذا..
فالذي يجمعها هو الذي يعلم الغيب والشهادة، وهو الله الذي يعلم ما تحمل كل أنثى، وما تغيض الأرحام وما تزداد، وكل شيء عنده بمقدار، وما تحمل كل أنثى، ولا تضع
إلا بعلمه، وإن من يعلم تركيب الجهاز التناسلى، وعملية الحمل والوضع، وكيف يتم ذلك، يعرف حقا القدرة الإلهية والعلم الشامل الذي لا يحيط به إلا هو، ولا يعمر من شخص معمر، ولا ينقص من آخر إلا في كتاب، فليست زيادة الأعمار أو نقصها أمورا مرتجلة تخضع لحوادث الكون لا: بل كل شيء عند ربك بمقدار. حقيقة من أراد أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أجله فليصل رحمه- كما نطق بذلك الحديث الشريف- فهذا محمول على زيادة البركة في العمر، وإلا فالقرآن صريح في قوله:
فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [سورة الأعراف آية 34] .
إن كتابة الآجال وتثبيت الأعمار، وتدوين كل ما هو كائن على الله يسير، وبه جدير.
وانظروا إلى المياه التي حولكم: هذا عذب شديد العذوبة سائغ شرابه سهل تناوله يزيل العطش أو يجلب الري ويمنع الظمأ، وبجواره مياه ملحة شديدة الملوحة لا يستساغ شربها، وإن كانت هي أصل المياه العذبة فهل تصدق أن جميع المياه العذبة أصلها ماء البحر الملح؟ وما ذلك على الله بعزيز، لا يستوي البحران أبدا، هذا ملح أجاج، وهذا عذب فرات، ومن كل واحد منهما تأكلون لحما طريا، وتستخرجون من البحر الملح حلية تلبسونها يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ «1» وترى الفلك الموقرة بالأحمال الثقال في البحار تمخر العباب جيئة وذهابا، سخر ذلك لكم لتبتغوا من فضل الله عليكم بالتجارة والانتقال، ولتشكروا ربكم الذي سخر لكم البحر بقدرته.
أليس في العذوبة والملوحة مفارقات؟ وفي الحلي التي تخرج من البحار والسمك الذي يعيش في جوفه مفارقات. أليس في جرى السفينة على الماء، ولا ترسب في قاعه مفارقات؟ ولكنها القدرة فلا تنكروا البعث لأن فيه مفارقات.
هو الله الذي يولج الليل في زمن النهار: ويدخل النهار في زمن الليل إن هذا بلا شك لعجيب! وهو الذي سخر الشمس والقمر، كل يجرى لأجل مسمى عنده ذلكم الله صاحب القوى والقدر، والعالم بكل ما غاب وما حضر، والمتفضل بكل نعمة ما عظم منها وما صغر، ذلكم الله ربكم وحده له الملك، وإليه وحده الأمر، فاعبدوه وحده ولا تشركوا به شيئا، وآمنوا به وبرسله وباليوم الآخر.
(1) - سورة الرحمن آية 22.