الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
لَهْوَ الْحَدِيثِ اللهو: كل باطل ألهى عن الخير هُزُواً أى: مهزوءا بها وَقْراً: ثقلا وصمما.
نزلت الآية في النضر بن الحارث، وكان يتجر إلى فارس فيشترى كتب الأعاجم فيحدث بها قريشا قائلا: إن كان محمد يحدثكم بحديث عاد وثمود فأنا أحدثكم بأحاديث رستم وبهرام والأسرة من ملوك فارس. وأحدثكم عن ملوك الحيرة، وكان بعض الناس يستملح حديثه، ويترك استماع القرآن، وقيل: كان يشترى المغنيات فلا يظفر بأحد يريد الإسلام إلا انطلق به إلى قينته فيقول: أطعميه واسقيه وغنّيه، ويقول:
هذا خير مما يدعوك إليه محمد من الصلاة والصيام وأن تقاتل بين يديه.
المعنى:
هذا هو القرآن الذي نزل هداية ورحمة، وفيه آيات بينات وأسرار بالغات وحكم محكمات، ومع هذا كله فمن الناس من يشترى لهو الحديث ليضل عن سبيل الله، ويتخذ آياته هزوا وسخرية.
لهو الحديث: هو السمر بالأساطير والأحاديث التي لا أصل لها، والتحدث بالخرافات والخيال الكاذب، وبفضول الكلام، وبما لا ينفع في شيء أبدا، وهو بالحديث كالغناء الخليع وبالوضع المغرى المثير للشباب المحرك للشيطان، فليس هو من باب اللهو فقط بل الواقع أنه سم زعاف يسقى للناس من حيث لا يشعرون.
والموسيقى المهذبة، المروحة للنفس، المجددة للنشاط، والغناء الرفيع في لفظه ومعناه، والكامل في شكله وموضوعه لا يأباه الدين ما دام لا يشغل عن حق، ولا يضيع منك فرضا، والغناء الذي نسمعه من تلك النسوة بهذا الشكل المزرى حرام بلا شك، ولا يفهمن أحد أن الدين جاف لا يتمشى مع العصر، إذ غرضه أن نرتفع بغرائزنا ونفوسنا عن مستوى الحيوانية البهيمية، وأن نغرس فينا معاني السمو الروحي بحيث نرضى أنفسنا مع العفة والقصد في المغريات المثيرات، والعناية بما يحبب مكارم الأخلاق، ويقوى الرجولة فينا، ذكر القرطبي في تفسير هذه الآية (أن الغناء المعتاد
عند المشتهرين به الذي يحرك النفوس، ويبعثها على الهوى والغزل، والمجون الذي يحرك الساكن ويبعث الكامن، فهذا النوع إذا كان في شعر يشبّب فيه بذكر النساء ووصف محاسنهن، وذكر الخمور والمحرمات لا يختلف في تحريمه.. فأما ما سلم من ذلك فيجوز القليل منه في أوقات الفرح كالعرس والعيد وعند التنشيط على الأعمال الشاقة.
وأما ما ابتدعه الصوفية اليوم من الإدمان على سماع المغانى بالآلات المطربة من الشبابات- قصبة الزمر- والطار والمعازف والأوتار فحرام) .
وليت شعري ماذا كان رأيه لو امتد به الزمن حتى رأى وسمع ما يحدث عندنا في المسارح والملاهي وعلى الشاشة؟! لقد حدثني أستاذ فاضل حضر رواية في انجلترا ثم حضر عرضها في القاهرة فوجد العجب إذ أنها في لندن تعرض باحتشام وبأدب مع إبراز معاني القوة والشجاعة والإقدام وحب الدفاع عن الوطن وخلق المثل العليا في الشعب.
أما إذ عرضت عندنا نزع منها ذلك كله، وظهر فيها معاني الحب العنيف، والدعوة إلى التحليل مع الخلاعة والفجور والرقص الداعر والدعوة السافرة إلى المجون، واعتذارهم عن هذا كله: إرضاء رغبات الشعب! يا لله من الشعب المسلم الذي تحلل من دينه واتبع نفسه وهواه.
وبعد فلنرجع إلى الآية التي نحن بصددها.
أولئك الذين يشترون لهو الحديث، ويستبدلون بدل الخير والهدى الشر والإثم ليضلوا عن سبيل الله، ويتخذوا آياته هزءا وسخرية، لهم عذاب غاية في الإهانة.
وإذا تتلى عليه آيات الله تدعو إلى الفضيلة، وتهدف إلى الخير، وتعمل على خلق أمة عزيرة كاملة ولى مستكبرا ذاما لها لا يعبأ بها معرضا عنها.
وهو في هذا الوضع حيث لم يعمل بها تشبه حاله حال من لم يسمعها وهو سامع كأن في أذنيه ثقلا ولا وقر فيهما ولا ثقل.
ومن كان هذا وصفه فبشره بعذاب أليم موجع غاية الألم.
أما الذين انتفعوا بالقرآن فهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم جنات النعيم حالة كونهم خالدين فيها، وعدهم الله هذا وعدا حقا ثابتا، ومن أوفى بعهده من الله؟! وهو العزيز الذي لا يعجزه شيء، الحكيم في صنعه.