الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ: وسع، وأصل البسط: النشر لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ البغي: تجاوز الحدود بِقَدَرٍ: بتقدير الْغَيْثَ: المطر النافع قَنَطُوا:
يئسوا بَثَّ: فرق ونشر مِنْ دابَّةٍ: كل ما دب وتحرك فهو دابة الْجَوارِ: جمع جارية وهي السفينة تجرى في الماء إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ كَالْأَعْلامِ جمع علم وهو الجبل، أو هو كل شيء مرتفع رَواكِدَ: سواكن على ظهره لا تتحرك يُوبِقْهُنَّ: يهلكهن ويغرقهن مَحِيصٍ: مهرب وملجأ.
لقد مضى قول الله: وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ فكأن سائلا سأل: ما بال بعض المؤمنين قد يكون في شدة وفقر يدعو ويظل حاله كما هو؟ فأجاب الله بهذه الآيات.
المعنى:
ولو بسط الله الرزق ووسعه لعباده جميعا لبغوا في الأرض وتجاوزوا الحدود المرسومة، فإن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى، والظلم من شيم النفوس، فإن رأيت أحدا لا يظلم مع القدرة فلعله لسبب، والغنى كما يقولون مبطرة مأشرة- أى: داع إلى البطر والأشر- وكفى بحال قارون وفرعون وما نراه الآن شاهدا على ذلك.
ولكن الحق- تبارك وتعالى ينزل بتقدير الخبير البصير ما يشاء من الرزق لمن يشاء من الخلق تبعا للحكمة والمصلحة التي تخفى على كثيرين، إنه بعباده خبير بصير، فهو يستجيب لدعاء المؤمنين إن عاجلا أو آجلا، وقد يكون في المرض أو الفقر مصلحة والبغي كما يكون وليد الغنى يكون تابعا للفقر، فكلما دخل الفقر بلدا دخل الكفر.
والخروج عن المألوف معه، ولكن من المسلم به أن البغي مع الغنى أكثر، والذي عليه نظام العالم من وجود الغنى والفقر هو علاج المجتمع وهو النظام المحكم الدقيق.
وقال القرطبي- رحمه الله قال علماؤنا: أفعال الرب- سبحانه وتعالى لا تخلو عن مصالح وإن لم يجب عليه فعل الصلاح، فقد يعلم من حال عبده أنه لو بسط عليه الرزق قاده ذلك إلى الفساد فيزوى عنه الدنيا مصلحة له، فليس ضيق الرزق هوانا ولا سعة الرزق فضيلة، وقد أعطى أقواما مع علمه أنهم يستعملونه في الفساد، ولو فعل بهم خلاف ما فعل لكانوا أقرب إلى الصلاح، والأمر على الجملة مفوض إلى مشيئته.
وروى عن أنس من حديث طويل «وإنّ من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلّا الغنى ولو أفقرته لأفسده الفقر. وإنّ من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلّا الفقر ولو أغنيته لأفسده الغنى. وإنّنى لأدبّر عبادي لعلمي بقولهم فإنّى عليم خبير» .
وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما يئسوا من رحمته، وهو الذي ينشر رحمته إذ هو واسع الفضل كثير الخير، وهو الولي الحميد إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً [سورة الشرح الآيتان 5 و 6] ولن يغلب عسر واحد يسرين.
ومن آياته الدالة على كمال القدرة وتمام العلم والحكمة وأن هذا العالم يسير بحكمة الحكيم الخبير، من آياته خلق السموات والأرض وما فيهما من عوالم لا يعلمها إلا الله خالقها، ومن آياته ما بث فيهما من دابة لا يعلمها إلا الله، يظهر أن قول العلماء الطبيعيين: إن في الكواكب حياة، كلام له نصيب من الصحة، فالآية تثبت أن في السماء والأرض قد بث الله فيهما دابة تدب وتتحرك أما حقيقتها في السماء فلا يعملها إلا خالقها- سبحانه وتعالى وإن كان من المقطوع به أنها ليست إنسانا، وهو على جميع خلقه يوم يشاء جمعهم للحساب قدير.
وما أصابكم أيها الناس في الدنيا من مصيبة فبما كسبته أيديكم، واقترفته جوارحكم حتى بعض الأمراض والآفات الزراعية، ويظهر والله أعلم أن الذنوب نوعان، نوع
يعذب الله صاحبه في الدنيا لأنه هين بسيط فيصيبه بسببه مرض أو ألم، ونوع عذابه شديد فهو في الآخرة فقط، وإذا أحب الله عبدا عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا كرهه لسوء عمله تركه يقترف من السيئات ما شاء، ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر لحساب عسير وعذاب شديد.
وقد ينال الإنسان منا بعض الألم تكفيرا له عن ذنوب أو زيادة له في ثواب.
والله يعفو عن كثير من الذنوب عفوا مع القدرة الكاملة، وما أنتم بمعجزين الله في الأرض هربا منه، وما لكم من دون الله من ولى يلي أموركم ولا نصير ينصركم إن أراد بكم سوءا وهو على كل شيء قدير..
وهذه آيات أخر تشهد لله بالقدرة وأنه بخلقه رحمن رحيم، فها هي ذي السفن التي تمخر عباب البحر، وتقطع المسافات، وتحمل الأثقال، وهي على ثقلها وضخامتها، وارتفاعها كالأعلام، تجرى على سطح الماء، ولأمر ما لم تغرق في القاع، والله- سبحانه وتعالى هو الذي خلق الجاذبية وقوة الدفع وقوة الضغط في الماء والهواء، إن يشأ- سبحانه- يسكن الريح التي تدفع السفينة على الماء فتظل راكدة لا تتحرك إلا بقوة دافعة من بخار أو غيره.
إن في ذلك كله لآيات لكل صبار على البلاء شكور على النعماء، نعم العبد الصبور الشكور إن أعطى شكر وإن ابتلى صبر، وهذا هو المؤمن الكامل الذي يتذكر ويتعظ بآيات الله وينظر إليها نظرة المعتبر الفاحص.
وإن يشأ يجعل الرياح عواصف تعصف بالسفن فيوبقهن ويهلكهن، أى: يهلك ركابها، ويعف عن كثير من أهليها فلا يغرقهم معها، كل ذلك لتظهر قدرته على كل شيء، وليعلم الذين يجادلون في آياتنا جدال تكذيب وإنكار إذا توسطوا البحر وغشيتهم الرياح من كل مكان. واصطلحت على سفينتهم حتى أيقنوا بالهلاك عند ذلك يعلمون أن لا ملجأ لهم سوى الله، ولا منجى لهم من عذابه، ولكنهم بعد ذلك يشركون به ما لا ينفع ولا يضر!! ولا تغرنكم الدنيا وما أوتيتم فيها أيها الكفار فما أوتيتم من شيء من الغنى والجاه والسعة فيها فمتاع الحياة الدنيا الزائل، وما عند الله من ثواب وجزاء فهو خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون.