الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
تَبارَكَ البركة: النماء والزيادة حسية كانت أو معنوية، والمراد: تعالى وتعاظم بالذات عن كل ما سواه ذاتا وصفة وفعلا، وعليه قول العربي وقد وقف على ربوة:
تباركت عليكم، أى: تعاليت حسيا. الْمَوْتَ وَالْحَياةَ الموت: عدم الحياة عما هي من شأنه، والحياة: ما يصبح بها الإحساس. لِيَبْلُوَكُمْ: ليختبركم، والمراد:
ليعاملكم معاملة المختبر. طِباقاً: متطابقة بعضها فوق بعض بحيث يكون كل جزء منها مطابقا للجزء من الأخرى، وأصل الطبق: جعل الشيء على مقدار الشيء مطابقا له من جميع جوانبه كالغطاء له. تَفاوُتٍ: تباين وعدم تناسب. فُطُورٍ:
صدوع وشقوق. كَرَّتَيْنِ: أى: كرة بعد كرة، والمراد: ترديد النظر.
يَنْقَلِبْ: يرجع. خاسِئاً: محروما ذليلا لعدم إدراك مطلوبه. حَسِيرٌ:
منقطع كليل. بِمَصابِيحَ المراد: بنجوم. رُجُوماً: جمع رجم، المراد ما يرجم به. وَأَعْتَدْنا: هيأنا. السَّعِيرِ: النار الملتهبة. شَهِيقاً: هو الصوت المنكر الذي يشبه صوت الحمار. تَفُورُ: تغلى. تَمَيَّزُ أى:
تنقطع. فَوْجٌ: جماعة. فَسُحْقاً: بعدا عن رحمة الله، والمراد ألزمهم الله سحقا. الْغَيْظِ: شدة الغضب.
المعنى:
تعالى الله وتعاظم- جل شأنه- عما سواه ذاتا وصفة وفعلا وتكاثر خيره وبره على
جميع خلقه، فهو صاحب التصرف التام في الموجودات «1» على مقتضى إرادته ومشيئته بلا منازع، وهو على كل شيء قدير وهو الحكيم الخبير، ولفظ «تبارك» يدل على غاية الكمال ونهاية التعظيم والإجلال، ولذا لا يجوز استعماله في حق غيره سبحانه وتعالى
…
وقد شرع القرآن في تفصيل بعض أحكام الملك وآثار القدرة، وبيان أن لهما حكما وغايات جليلة كلها تعود على الإنسان بالخير العميم.
وهو الذي خلق الموت والحياة، وقدرهما على كل كائن في الوجود، وراعي ترتيبهما الوجودي فقدم الموت على الحياة. ولعل في ذكر الموت مقدما عظة وعبرة لمن يعتبر، قدرهما ليعاملكم «2» معاملة من يختبر أمركم فيعرف خيركم وشركم، ويعلم أيكم أحسن عملا! وأكثر إخلاصا، وأبعد عن محارم الله، وأسرع في طاعة الله، وكان المفروض أن يكون عمل الإنسان دائرا بين الحسن والأحسن لا بين الخير والشر، وقد خلق الله الموت والحياة ليبلوكم وليختبركم، فالحياة محل الاختبار والتكاليف، والموت محل الجزاء والثواب الذي هو نهاية الاختبار، وهو العزيز الذي لا يعجزه عقاب من أساء، الغفور لمن شاء أو لمن تاب.
وهو الذي خلق سبع سموات متطابقة بعضها فوق بعض، وهل السموات هي مدارات الكواكب أو مادة لا يعلمها إلا الله؟ الظاهر- والله أعلم- من مجموع النصوص الواردة في القرآن والسنة أن السماء مادة لا يعلمها إلا الله، والعلماء الطبيعيون يقولون: إنها فراغ يدور فيها الكواكب. والخطب سهل، لو تبصر الإنسان لرأى أن الله هو الذي خلق سبع سموات- والعدد على حسب ما كان معروفا عند العرب متطابقة بعضها فوق بعض أشبه ما تكون بطبقات البيضة، ليس فيها عيب ولا خلل، ولا ترى في خلقها تفاوتا في أى ناحية من النواحي، إن كنت في شك في ذلك فارجع البصر، ودقق النظر حتى يتضح لك الحال، ويتبين لك المقام، ولا تبقى
(1) - وعلى ذلك يكون قوله «بيده الملك» استعارة تمثيلية، أى: لفظ اليد مجاز وليس على حقيقته. ويرى السلف أن اليد على حقيقتها والله أعلم بها.
(2)
- في قوله (ليبلوكم) استعارة تمثيلية حيث شبه معاملة المولى جل شأنه لعباده بالابتلاء والاختبار.
لك شبهة في تناسب خلق الرحمن واستكماله لكل أسباب الحكمة. فارجع البصر هل ترى من فطور أو شقوق؟ الجواب: لا. ثم ارجع البصر، ودقق النظر مرة بعد مرة- والمراد التكثير في النظر لمعرفة الخلل- يعد إليك البصر محروما من إدراك العيب والخلل في السموات، فكأن النظر طرد عن ذلك طردا بالصغار وعاد خاسئا ذليلا، وهو كليل من طول معاودة النظر.
وعلى الجملة فالسماوات السبع، وما فيهن آية من آيات الله الكبرى لو تأملت ما فيها من تناسب وتجاذب وإحكام ودقة ونظام لا يختل أبدا مع سرعة دورانها، لهالك هذا النظام العجيب، وإن شككت في ذلك فارجع البصر مرة بعد مرة فإنه سيرتد إليك خائبا خاسئا وهو كليل وضعيف أمام هذه القدرة العظيمة.
فهذه السموات السبع خالية من العيوب والخلل، وهي كذلك في غاية الحسن والبهاء. ولقد زينا السماء الدنيا بزينة هي الكواكب، فهي في السماء كالمصابيح في السقوف، وإنك لترى السماء ليلا، وكأنها عروس ليلة الزفاف، وهذه النجوم والأفلاك ينفصل منها أجزاء ملتهبة أو تلتهب من الاحتكاك بالأجواء هذه الأجزاء جعلت رجوما للشياطين، وأعدت لذلك فلم يعد للشياطين طريق لاستراق السمع من السماء، ولم يعد للدجالين الكذابين طريق للكذب على الناس، حيث إن الله أخبر أن النجوم خلقت زينة للسماء، ورجوما للشياطين، وأعتدنا لأولئك الشياطين عذاب النار المسعرة المشتعلة في الآخرة.
وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم، وبئس المصير مصيرهم، إذا ألقوا فيها سمعوا لها صوتا منكرا كصوت الحمار «1» ، وهو حسيسها حالة كونها تفور بهم وتغلى غليان المرجل، ويا ويلهم حينما يرون النار، تكاد تتميز، أى: ينفصل بعضها عن بعض من شدة الغيظ «2» والغضب! وهذا وصف لجهنم دقيق.
وهاك وصفا لمن فيها: كلما ألقى فيها جماعة من أصحابها سألهم خزنتها وزبانيتها قائلين لهم: ألم يأتكم نذير يتلو عليكم آيات الله، وينذركم لقاء ربكم؟ قالوا: بلى قد
(1) - وعلى ذلك ففي (شهيق) استعارة صريحة.
(2)
- جهنم لا يعقل أن يكون لها غيظ وغضب وإنما يجوز أن يكون في الكلام استعارة تصريحية حيث شبه اشتعال النار بهم وشدة تأثيرها فيهم باغتياظ المغتاظ على غيره المبالغ في إيصال الضرر، ويجوز أن يكون الغضب للزبانية.