الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالتخفيف بمعنى غلبنا وقهرنا تَطَيَّرْنا: تشاءمنا بكم لَنَرْجُمَنَّكُمْ: لنقتلنكم رميا بالحجارة طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أى: حظكم وشؤمكم معكم وليس منا أَقْصَى الْمَدِينَةِ المراد من عند أقصى باب من أبواب المدينة فَطَرَنِي: خلقني على أحسن مثال مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ جند السماء: ملائكة الوحى أو ملائكة تنزل بالعذاب خامِدُونَ: ميتون وهامدون كالرماد الخامد.
المعنى:
اجعل يا محمد أصحاب القرية التي سيأتيك خبرها لهؤلاء مثلا في الغلو والعناد والكفر مع الإصرار على تكذيب الرسل، والمراد: طبق حال مشركي مكة الغريبة بحال أصحاب تلك القرية إذ «1» جاءهم المرسلون، حين أرسلناهم اثنين فلم يكن مجيئهم عن محض اختيارهم بل كان بإرسالنا إليهم فكذبوهما فقوينا الحق وأيدناه برسول ثالث، فقالوا جميعا: إنا إليكم يا أهل القرية مرسلون.
وفي تعيين القرية وأسماء الثلاثة ذكر المفسرون كلاما كثيرا الله يعلم أنه لا يسند إلى سند متين، ولكنه من الإسرائيليات. على أننا لا يهمنا معرفة نفس القرية ولا أشخاص الرسل، ولكن المهم أن نعرف ماذا حصل؟ وماذا كانت النتيجة؟ والمفسرون يذكرون أن هؤلاء الرسل كانوا لعيسى ابن مريم فهم رسل رسول الله، ولست أدرى ما الذي حملهم على هذا! ولم لا يكونون رسلا لله سبحانه وتعالى؟ لأنهم ساقوا في كلامهم أنهم أتوا بمعجزات كإحياء الموتى وإبراء الأكمه إلى آخر ما ذكره، وهذا في ظني- والله أعلم- لا يكون إلا لنبي يدعى النبوة.
أرسلت الرسل، وقالوا: إنا إليكم مرسلون.. فماذا قال أصحاب القرية؟ قالوا:
لستم رسلا ولا يعقل أن تكونوا رسلا لأنكم بشر مثلنا فمن الذي فضلكم علينا؟ وهل فيكم من غنى أوجاه أو قوة حتى تكونوا رسلا إلينا؟ اعترضوا بهذا وما علموا أن الله يعلم حيث يجعل رسالته، والرسول بشر من البشر علم الله أنه يتحمل مشقة الرسالة فأرسله للناس وهو العليم الخبير بخلقه، فليست الرسالة تتنافى مع البشرية، وليست المزية والأفضلية في الاختيار ترجع إلى الغنى أو القوة المادية، وإنما مرجعها إلى نواح نفسية
(1) إذ بدل من أصحاب القرية فهي منصوبة، وإذ الثانية ظرف لقوله: جاءهم المرسلون حين أرسلناهم.
روحية الله أعلم بها، ومن هنا نعرف أن اعتراضات الكفار قديما وحديثا واحدة.
وقالوا: ما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون كذبا متجددا حادثا كلما ادعيتم الرسالة، وهذه شبهة ثانية لهم تتعلق بالحق تبارك وتعالى. والشبهة الأولى تتعلق بالمرسلين، وخلاصة هذه الشبهة أن الكون أمامنا لم نر فيه أى دليل على أن الرحمن ينزل شيئا من عنده نيابة عنه، ونحن لا نراكم إلا كاذبين، فماذا قالت الرسل لهم ردّا على الاتهام، وتفنيدا لتلك الشبهة؟
قالت الرسل: ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون فنحن لا ندعى أننا رسل من يجهل الخلق أو هو عاجز في نفسه، لا: بل نحن رسل الخبير البصير، فلو أننا كاذبون لمحقنا ولأهلكنا فإن العاقل إذا علم أن هناك من يدعى أنه رسوله ووكيله كذبا وبهتانا لا يمكن أن يتركه بل يفعل معه ما يستطيع من بطلان هذه الدعوى، ولله المثل الأعلى، وأنت ترى أنهم لم يسأموا بل كرروا ما ادعوه مؤكدا أكثر من الأول حيث صدروا دعواهم بقولهم: ربنا يعلم- وهذا كالقسم ثم التأكيد بإن واللام واسمية الجملة- كل ذلك لتأكيد دعواهم، أو للرد على الكفار.
وما علينا شيء بعد إبلاغهم هذه الحقائق، وفي ذلك إشارة رقيقة إلى دعواهم فإنهم لم يطلبوا أجرا ولا رئاسة ولا شيئا من حطام الدنيا، وليس عليهم إلا البلاغ وعلى الله الحساب، فتفكروا في أمركم أيها الكفار! فماذا كان بعد هذا؟.
قالوا لهم: إنا متشائمون بكم، ومتطيرون، ولقد مسنا سوء حينما ادعيتم هذه الدعاوى الكاذبة وأصررتم وحلفتم الأيمان عليها واليمين الكاذبة تدع الديار بلاقع فنحن متشائمون بكم لئن لم تنتهوا عما تقولون لنرجمنكم بالقول الغليظ وليمسنكم منا عذاب بالضرب والقتل أليم وشديد.
وماذا كان من الرسل..؟ قالوا: لا تتشاءموا بنا ولا تتطيروا، إنما طائركم معكم، أى حظكم من خير أو شر معكم ولازم في أعناقكم، وليس هو منا: أئن ذكرتم ووعظتم وخوفتم تطيرتم وكفرتم؟ إن أمركم لعجيب!! .. بل أنتم قوم مسرفون متجاوزون الحدود في أعمالكم، فبدل النظر السليم في دعوى الرسالة، والبعد عن التقليد الأعمى، وإطلاق العقول من ربقة الاستعباد الفكرى، فبدل هذا تشاءمتم وتطيرتم وأسرفتم في الظلم والبهتان. والله إن أمركم لعجيب!!
هؤلاء الرسل قاموا بالرسالة وأدوا الأمانة فهل استجاب لهم أحد أم لا؟ نعم قد استجاب لهم خلق، وجاء من أقصى المدينة رجل كامل الرجولة يسعى سعيا حثيثا لإظهار الحق، ونصرته، ومحاربة الباطل ودولته: قال يا قومي ويا أهلى: اتبعوا هؤلاء المرسلين فإنهم صادقون في دعوى الرسالة، اتبعوا من لا يسألكم أجرا، ولا يطلب منكم مالا، ولا يسعى إلى رئاسة أو غرض وهم مهتدون سائرون على الطريق الحق، والمنهج القصد، وهذا كاف في اتباع الرسل لو أنصف الناس.. وكأنهم ردوا عليه وقالوا له: أنت مؤمن بهم وبأنهم رسل الله، وصدقتهم في عبادة إله واحد؟ قال:
وما لي لا أعبد الذي خلقني وأبدعنى على تلك الصورة؟ أى مانع عندي يمنعني من عبادة من فطرني وخلقني فسوانى في أحسن صورة؟ وإليه وحده ترجع الخلائق يوم القيامة للثواب والعقاب، وهكذا المنصف يعبد الله لأنه خلقه، أو يعبده لأنه سيحاسبه. فهو يعبد رغبا أو رهبا.
أأتخذ من دونه آلهة لا تنفع ولا تشفع، ولا تبصر ولا تسمع، إن أرادنى الرحمن بضر، لا تدفع ضره ولا تغنى عنى شفاعتهم شيئا، ولا هم ينقذوننى مما بي فلأى شيء يعبدون؟ أليست العبادة تقديسا لمن يستحق التقديس؟! إنى إذ أعبد حجرا أو مخلوقا لا ينفع ولا يضر إنى إذا لفي ضلال مبين.
اسمعوا يا قومي: إنى آمنت بربكم وربي فاسمعون.
قيل له: ادخل الجنة، فهل قيل له بعد الموت؟ أو بشر بهذا ممن لا يكذب فبنى على تلك البشارة ما يأتى؟ وعلى الرأى الأول يكون ما يأتى حكاية لحاله يوم القيامة، وعلى الثاني فكلامه في الدنيا سيق عبرة وعظة للناس يا ليت قومي يعلمون بغفران ربي لي حيث جعلني من المكرمين يوم القيامة بالثواب الجزيل والأجر العريض، وهذا حال المؤمن المصدق لرسل الله.
أما حال من أشرك وكفر وكذب فعاقبته الخسران والضلال والهلاك، اسمع إلى الحق تبارك وتعالى يقول وهو أصدق القائلين: وما أنزلنا على قوم هذا الرجل المؤمن بعد نجاته من جند من السماء، وما كان ينبغي لنا أن ننزل فلسنا في حاجة إلى ذلك أبدا.
ما كانت عقوبتهم إلا صيحة واحدة فقط من جبريل فإذا هم بسرعة كسرعة البرق خامدون هامدون لا حراك ولا حرارة ولا حياة، وسبحان الله الواحد القهار فاعتبروا يا أهل مكة إن كنتم من أولى الأبصار!!