الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
سُلْطانٍ: حجة وبرهان كِبْرٌ: تكبر وتعاظم لا رَيْبَ فِيها:
لا شك ادْعُونِي: اعبدوني داخِرِينَ: صاغرين أذلاء تُؤْفَكُونَ أفك إفكا: كذب، والإفك: الكذب، وأفكه عنه يأكفه أفكا: صرفه وقلبه، وعليه قوله تعالى: قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا. قَراراً: مستقرا بِناءً أى: قبة ومنه أبنية العرب لقبابهم التي تضرب.
وهذا رجوع إلى الأصل الأول الذي بنيت عليه السورة وهو مناقشة المجادلين في آيات الله بالباطل، مع التعرض لإثبات البعث، والكلام على صفات الله ونعمه على الناس.
المعنى:
إن الذين يجادلون في آيات الله ودلائله التي نصبها دالة على الوحدانية وصدق الرسل، بغير سلطان ولا حجة تؤيد كلامهم: إن الذين يجادلون في آيات الله بغير حجة ولا برهان ما في قلوبهم إلا كبر وتعظم عن الحق والتفكير الحر، فهم قوم يريدون الرياسة والتعاظم لأنفسهم حسدا وبغيا حيث قالوا: لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف 31] لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ [الأحقاف 11] ولذلك يجادلون في آيات الله.
بالباطل، قد دفعهم الكبر وحب الرياسة إلى هذا الجدال الممقوت، ما هم ببالغي ما يريدون، لأن الله أذلهم، وقضى على أطماعهم.
وقيل: إن الآية نزلت في يهود المدينة، وهي مدينة، الحق أن كل جدال في آيات الله من مشركي مكة أو يهود المدينة أو من غيرهم كبر مقته عند الله وعظم جرمه مطلقا، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
إذا كان الأمر كذلك فاستعذ بالله، والجأ إليه من كيد الكائدين، وحسد المشركين، وفيه رمز إلى أن ذلك كان من همزات الشياطين وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ «1» . إنه هو السميع لكل قول ونية، البصير بكل فعل وعمل، ولو كان من إشارات العيون وخطرات القلوب.
لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس بدءا وإعادة فلا تجادلوا في أمر البعث فإن الله خلق السموات وما فيها، والأرض وما عليها وما في باطنها من عوالم، فلا تظنوا أن الله هذا ليس بقادر على أن يحيى الموتى، ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن خلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس.
ولا يستوي الأعمى عن الحق، والبصير به، ولا يستوي المؤمنون الذين عملوا الصالحات، وأحسنوا العمل، ولا المسيئون الذين أساءوا الفهم والتقدير حتى جادلوا في آيات الله كلها وكان تذكرهم قليلا جدّا.
إن الساعة لآتية لا شك فيها، ولكن أكثر الناس لا يؤمنون لقصور نظرهم، وسوء رأيهم.
وقال ربكم: ادعوني أثبكم ثوابا يتكافأ مع أعمالكم، وفعلكم الطاعات، وترك الذنوب والآثام هو الدعاء، فمن ترك الذنب فقد دعا. وأخلص في الدعاء، ومن يقترف ذنبا فليس بداع إلى الله وإن دعا ألف سنة. وبعضهم فسر الدعاء بالعبادة، ويؤيد هذا قوله تعالى: إن الذين يستكبرون عن عبادتي ودعائي سيدخلون جهنم داخرين أذلاء صاغرين، وحق من يستكبر عن دعاء ربه الذي رباه وخلقه، وصوره فأحسن صوره أن يدخل جهنم صاغرا ذليلا، ومهينا حقيرا.
(1) - سورة الأعراف آية 200.
وكيف تتكبرون عن عبادة الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا؟ فالله الذي خلق لكم الليل لتستريحوا فيه وتسكنوا من وعثاء الطريق، ومتاعب الحياة حتى يعود الإنسان نشيطا مجدا مقبلا على عمله بالنهار الذي جعله ربه مبصرا فيه وفيه الضوء والحركة والنشاط.
يا سبحان الله!! لو خلقت الدنيا بلا ليل أو خلقت بلا نهار كيف الحال..؟ وكيف نعيش؟
يا رب: هذا الليل المظلم وهذا النهار المبصر ينشآن من حركة واسعة، ونظام دقيق محكم فأنت يا رب الواحد القهار الذي لا يعجزه شيء في السموات والأرض، إن الله لذو فضل على العالمين. ولكن أكثر الناس لا يشكرون، ومن كان هذا شأنه أنجادل في قدرته على البعث، ونقول: من يحيى العظام وهي رميم؟
ذلك الله- جل جلاله خالق كل شيء، فاطر السموات والأرض واهب الوجود لا إله إلا هو، فكيف تصرفون عن عبادته إلى عبادة غيره من الأحجار والأوثان؟!! وهذا كالنتيجة لما تقدم.
مثل ذلك الإفك العجيب الذي لا أساس له ولا سند من عقل أو منطق سليم يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون.
الله الذي جعل لكم الأرض قرارا: مستقرا أو مكانا، وجعل السماء كالبناء، وهذا بيان فضله- تعالى- المتعلق بالمكان بعد بيان فضله في الزمان، ثم تعرض لفضله المتعلق بالإنسان فقال: صوركم فأحسن صوركم، ورزقكم من الطبيات الطاهرات، ذلكم الله ربكم فتبارك الله، وتزايد فضله. وتكامل خيره، وهو رب العالمين، أى: مالكهم ومربيهم، هو الحي حياة ذاتية، لا إله إلا هو، ولا معبود بحق في الوجود سواه. إذا كان الأمر كذلك فادعوه واعبدوه مخلصين له الطاعة صادقين في النية.
ولما كان موصوفا بصفات الجلال والعزة، ومنعوتا بالإنعام الكامل على خلقه استحق لذاته أن يقال: الحمد لله رب العالمين.