الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
لا رَيْبَ: لا شك افْتَراهُ: اختلقه أَيَّامٍ: جمع يوم. والعرب تطلقه على جزء من اليوم، وقال النحاس: اليوم في اللغة بمعنى الوقت الْعَرْشِ: الملك وَاسْتَوى: بمعنى استولى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ أى: أمر الدنيا ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ:
يرجع ويصعد نَسْلَهُ: ذريته، وسميت الذرية نسلا لأنها تنسل منه، أى: تنفصل مَهِينٍ أى: ضعيف، وهو النطفة ثُمَّ سَوَّاهُ أى: سوى خلقة وأتمه.
المعنى:
وهذا افتتاح لسورة السجدة وهي سورة مكية كما قدمنا، جاء افتتاحها على نسق السور المكية من الكلام على القرآن الكريم والرد على المشركين، وذكر الآيات الكونية دليلا على وحدانية الله، وعلى إمكان البعث، وفي القرآن الكريم إثبات لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم ودليل على صدقه، وهذه السور المكية جاءت لفتح القلوب وتنوير البصائر وتكوين النفوس.
الم. تنزيل الكتاب الذي أنزل على محمد- حالة كونه لا ريب فيه ولا شك- من رب العالمين، وانظر إلى قوله: الكتاب وما فيه من معنى الكمال في كل شيء حيث جعل أساسا لنفى الشك عنه ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ بل أيقولون افتراه؟! واختلقه محمد من عنده؟! وهذا استفهام إنكارى، على معنى: لا يصح ولا يليق منهم هذا القول بعد قوله تعالى: تنزيل من رب العالمين وبعد ما ثبت عجزهم عن الإتيان بمثله مع التحدي السافر لهم (وبل هنا للإضراب والانتقال من عنصر في الكلام، وبل الثانية للإضراب وإبطال الكلام السابق قبلها) .
لا بل هو- أى: القرآن الحق الثابت فيه- من ربك جل شأنه وهو الحق لما فيه من حق وصدق ولما فيه من تفسير للكون، وما فيه من ربط محكم بين الإنسان وهذا الكون وهو الحق لخلوه من ظلم في الدنيا أو في الآخرة، أنزله عليك لتنذر قوما- ما أتاهم من نذير من قبلك- رجاء الهداية لهم والتوفيق، وهل العرب لم يأتها نذير قبل النبي صلى الله عليه وسلم أو أتاهم نذير كبقية الأمم؟ وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ [سورة فاطر آية 24] والتاريخ يؤيد أنه لم يكن بين إسماعيل ومحمد نبي.
أنذرتهم رجاء الهداية والتوفيق لهم، وهذا أسلوب محكم دقيق حيث أثبت أن القرآن منزل من عند رب العالمين وأنه لا شك فيه، وهذا يستلزم صدق النبي فيما يدعيه ثم أضرب عن ذلك لينكر قولهم: إنه مفترى على الله حيث ثبت عجزهم بعد التحدي ثم أضرب عن إنكارهم هذا إلى إثبات أنه الحق الثابت من عند الله.
وما رب العالمين الذي أنزل القرآن على رسوله؟ هو الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش، عرفهم الله كمال قدرته ليسمعوا القرآن ويتأملوه، وليعلموا أنه صادر من حكيم قادر عليهم، بعباده خبير بصير، الله الذي خلق السموات والأرض، وأبدعهما، وفطرهما لا على مثال سابق في ستة أيام الله أعلم بمقدارها، أيام عند الله لا كأيام الدنيا المقدرة بدورة الأرض أمام الشمس، هذه إشارة إلى التدبير والإحكام في الخلق.
ثم استوى على العرش استواء يليق بعظمته وجلاله، وأنه لا يحده زمان ولا مكان ولا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، وهذا رأى من يفوض أمثال
هذا لله وهم السلف، أما الخلف فيقولون: استوى على ملكه يدبر أمره، ويحكم سياسته، فالاستواء كناية عن الاستيلاء والتدبير.
ما لكم من دونه من ولى يلي أموركم، ويدفع عنكم عذابكم، وليس لكم شفيع من دونه ينصركم إن جاءكم بأسنا، فإن خذلكم الله الذي خلقكم لم يبق لكم ولى ولا نصير.
الله- سبحانه وتعالى يدبر أمر الدنيا وينظم شئونها وأحوالها التي تقع فيها، كل ذلك موافق لقضائه السابق، وجار على وفق إرادته الأزلية التي قضت بهذا النظام الموجود على هذا الترتيب، وكان تدبير الأمر ونظامه مبتدئا من السماء ومنتهيا إلى الأرض، لأن التدبير يرجع إلى أمور سماوية، ومنوط بأسباب علوية، وهو ينتهى بآثاره إلى الأرض ويظهر عمليا على وجهها، كل ذلك إلى أن تقوم الساعة، ثم يعرج إليه ذلك الأمر ويصعد إليه ليحكم فيه بحكمه العدل يوم القيامة، يوم مقداره ألف سنة مما تعدون، وقد جاء في سورة «سأل» كان مقداره خمسين ألف سنة، والمخلص من هذا أن يوم القيام فيه أيام فمنها ما مقداره خمسون ألف سنة، ومنها ما مقداره ألف سنة، وقيل: إن الزمن الواحد تارة يكون طويلا جدا وطورا يكون قصيرا عند صاحبه.
ويوم كظل الرمح قصر طوله
…
دم الزق عنا واصطكاك المزاهر
وقيل: إن الملك يعرج إلى مكانه المحدد له في يوم مقدر بالنسبة لنا ألف سنة، وهو عنده لحظة الله أعلم بها.
ذلكم الله خالق السماء والأرض ومدبر هذا الكون، هو عالم الغيب والشهادة فاحذروا عقابه، وانظروا في كتابه نظر تأمل وبحث لعلكم ترجعون وتثوبون إلى رشدكم، وهو العزيز لا يعجزه شيء، القاهر لا يقف دونه شيء، ومع هذا فهو الرحيم بخلقه الرحمن بهم، يدعوهم إلى الخير، ويرسل لهم رسلا تهديهم إلى الحق، وينزل عليهم كتبا فيها الشفاء والرحمة والنور والهداية للناس جميعا.
وهو الله لا إله إلا هو الذي أحسن كل شيء خلقه، إذ هو مرتب وجار على ما اقتضته الحكمة، وأوحته المصلحة، فكل شيء في الكون له مكانه ونظامه وترتيبه حتى الكلب العقور والثعبان والحية، فالله خلق هذا العالم كله، على نظام دقيق،