الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موقرة: إذا حملت حملا ثقيلا، وأما الوقر: فهو ثقل السمع، وهل المراد بالحاملات السحائب يحملن الماء؟ أوهن السفن الموقرة بالناس وأمتعتهم. فَالْجارِياتِ يُسْراً أى: جريا سهلا إلى حيث تسير. فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً: هي الملائكة تقسم أمور العباد، وقيل: هي الرياح تقسم المطر عليهم. الدِّينَ: هو الجزاء، ومنه قولهم:
دنته بما صنع، أى: جزيته، وعليه قولهم:«كما تدين تدان» ومنه «يوم الدين» .
الْحُبُكِ أى: الطرائق، أى: والسماء ذات الطرق، أو ذات الخلق القوى المستوي، أو ذات الزينة. يُؤْفَكُ: يصرف عنه من صرف. الْخَرَّاصُونَ الخرص: التخمين والحزر، وهو سبب الكذب، فالمراد: لعن الكذابون. غَمْرَةٍ الغمرة: ما ستر الشيء وغطاه. ساهُونَ أى: لا هون وغافلون. يُفْتَنُونَ:
يحرقون، وهو من قولهم: فتنت الذهب: أحرقته.
المعنى:
لقد قال الله- تعالى- في السورة السابقة: ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ وقال:
وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ وفي هذا إشارة إلى إنكارهم البعث وإصرارهم على الكفر به بعد إقامة البرهان وتلاوة القرآن فلم يبق بعد ذلك إلا القسم باليمين المؤكدة إن ما توعدون لصادق، وإن الدين لواقع.
ولكن أليس من الأفضل أن ندرك بعض السر في قسم الله بهذه الأشياء، بعد ما نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن الحلف بغير الله؟
ولعل السر في ذلك أن العرب كانت تعتقد أن النبي رجل قوى الحجة، غالب في المجادلة وإقامة الدليل، فأقسم لهم القرآن على لسان النبي بكل شريف ليعلموا صدقه إذ هم كانوا يعتقدون أن الأيمان الكاذبة تدع الديار بلاقع (خرائب) وأنها تضر صاحبها، وقد كان إكثار النبي من الحلف مع أنه لم يصب بسوء بل ارتفع شأنه كان هذا كله دليلا على صدقه على أن الأيمان التي أقسم الله بها دلائل على كامل قدرته على البعث وقد ساقها الله في صورة اليمين لفتا لأنظارهم وإيذانا بخطر ما يتحدث عنه، وأنه حرى بالبحث التام، فالإله الذي خلق هذه الأشياء وصرفها حيث شاء قادر بلا شك على البعث وإعادة الخلق يوم الجزاء.
وهنا بحث آخر: في جميع السور التي بدئت بالقسم بغير الحروف كالسورة التي معنا نجد أن المقسم عليه واحد من ثلاثة: التوحيد
…
الرسالة
…
البعث، تلك أصول الدين العامة، ويلاحظ أن سورة الصافات وحدها هي التي أقسم فيها على التوحيد فقال الله إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ وفي سورة النجم. والضحى، أقسم على صدق الرسول حيث قال: ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى وقال: وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى وبقية السور كان المقسم عليه فيها هو البعث والجزاء وما يتعلق به لأنهم أنكروا البعث وبالغوا في إنكاره، وصدق الله حيث يقول:
ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ.
أقسم الله بالرياح التي تذرو التراب ذروا، وتبدده في كل مكان، فالرياح التي تحمل السحب الموقرة بالماء المحملة بالمطر، فالرياح التي تجرى جريا سهلا فتحمل السحب، وتدفع السفن، فالتي تقسم المطر على الأماكن التي يريدها الله، فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء وهو على كل شيء قدير
وقد روى عن عمر بن الخطاب أنه سئل عن الذاريات فقال: هي الرياح، وسئل عن الحاملات فقال: هي السحاب، وسئل عن الجاريات يسرا فقال: هي السفن، وسئل عن المقسمات أمرا فقال: هي الملائكة، ويقول عمر- رضى الله عنه- في ذلك كله: لولا أنى سمعت رسول الله يقول بهذا ما قلته
. والله أعلم بكتابه، أقسم الله بهذا على أن ما توعدون به لصادق ومتحقق الوقوع، وأن الدين والجزاء لواقع وفي تخصيص المذكورات بالقسم رمز إلى شهادتها بتحقيق المقسم عليه وهو البعث من حيث إن من قدر على ذلك فهو قادر على تحقيق الوعد بالبعث، إذ الرياح تذرو ذرات المياه، وتحملها إلى طبقات الجو العالية، فتتجمع سحبا بعد تفرقها، ثم تجرى بيسر وسهولة إلى حيث شاء فتنزل مطرا أليس القادر على ذلك بقادر على أن يعيد الخلق بعد تفرق أجزائه وانحلاله في التراب أو الجو أو البحار؟! وأقسم الله كذلك بالسماء ذات الحبك، أى: الطرق المحسوسة التي تسير فيها الكواكب أو هي ذات الخلق البديع القوى، وذات الزينة بالنجوم، على أنكم- يا كفار مكة- في قول مختلف متباين، فتارة تقولون على النبي: إنه شاعر، وطورا إنه ساحر، ومرة: إنما يعلمه بشر، وأخرى: إنه مجنون وهذا دليل على التخبط وسوء الرأى ليس الأمر كذلك وإنما يصرف عن الرأى الحق والإيمان الكامل من صرف