الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
الْبَيانَ: المنطق الفصيح المعرب عما في الضمير. بِحُسْبانٍ: بحساب دقيق. وَالنَّجْمُ: النبات الذي ينجم، أى: يظهر ويطلع من الأرض ولا ساق له. يَسْجُدانِ المراد ينقادان. الْمِيزانَ المراد: شرع العدل وأمر به.
بِالْقِسْطِ: بالعدل. وَلا تُخْسِرُوا أى: تنقصوا. لِلْأَنامِ أى للخلق جميعا، أى: الإنس والجن. الْأَكْمامِ: جمع كم، والمادة تدل على الستر، والكمة والكمامة: وعاء الطلع وغطاء النّور، والجمع كمام وأكمة وأكمام، ومنه: كم القميص لستره الذراع، والكمة: القلنسوة لتغطيتها الرأس، وأكمام النخل: أوعية التمر، أعنى الطلع أو كل ما يغطى من ليف وسعف وطلع. ذُو الْعَصْفِ: ورق الزرع الجاف. وَالرَّيْحانُ: هو كل مشموم طيب الرائحة من النبات، وقيل: المراد به الرزق الخاص بالإنسان. آلاءِ: جمع إلى وهو النعمة.
المعنى:
ربنا الرحمن، المتصفة ذاته بالرحمة، وهذه نعمه ظاهرة، وآثار رحمته بادية، ولقد أخذ القرآن الكريم في تعدادها، وقدم مصدر الدين، وأساس الهداية ومنبع النور ألا وهو القرآن، ثم أتبعه بذكر الإنسان وخلقه ليعلم أنه إنما خلقه للعبادة والدين ثم ذكر ما يتميز به عن سائر الخلق، وهو البيان الصريح والمنطق الفصيح المعرب عما في الضمير، المبين لآثار القرآن الموضح لأغراضه وأسراره ثم بعد ذلك ذكر بعض نعمه في الأكوان العلوية، ثم في الأكوان السفلية، وهكذا.
الرحمن على القرآن «1» أى: علم الإنسان القرآن، نعم: القرآن وتعليمه مصدر
(1) في هذا إشارة إلى أن الرحمن مبتدأ وما بعده خبر، ويجوز أن يكون الرحمن خبر مبتدأ محذوف كما شرحنا أولا. [.....]
السعادة الدينية والدنيوية، وهو مصدق للكتب السماوية، وحارسها وراعيها والمهيمن عليها، وفيه الخبر الصدق، والتشريع المحكم، والقضاء العدل، والقصص المملوءة عبرة وعظة، والإرشادات إلى الخلق الكامل والمثل العليا، والدعوة الصريحة لتنظيف القلوب من أدران الدنيا وأكدار النفس، والدعوة إلى خلق المسلم الصحيح والإنسان الكامل السعيد في الدنيا والآخرة، ومع هذا فأكثر الناس لا يعقلون.
وإذا نظرنا إلى هذا النور الذي نبه العالم في القرن الحديث، وأيقظه من غفوته لم نجد له مصدرا إلا القرآن والرسالة المحمدية، حقيقة لم تبلغ الحضارة الحديثة الدرجة العليا والغرض السامي لأنها لم تنهل من تعاليم القرآن، ولم تجر على نظامه المحكم، فكانت المذاهب والنظريات في السياسة والاقتصاد والاجتماع فيها الإفراط أو التفريط، ولو شاء ربك لهدى الناس جميعا إلى نوره، ولكن حكمته اقتضت ذلك، إذا لا غرابة أن يبدأ تعداد نعمه بذكر تعاليم القرآن أولا، ألست معى في أن أول نعمة هي القرآن؟! وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ.
وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً.
[النحل 89- الإسراء 82- الكهف 1 و 2] الرحمن علم القرآن. خلق الإنسان، أى: أنشأه على ما هو عليه من القوى الظاهرة والباطنة، والغرائز الموجهة، ولقد كان خلق الإنسان بهذا الشكل الدقيق، وما أودع فيه من غرائز وميول، واتجاهات وأفكار، وقوى عاقلة مدركة، وهذا فضلا عن تركيبه المادي الدقيق، كان خلقه على هذا الوضع من أجل النعم وأرقاها عَلَّمَهُ الْبَيانَ نعم قد علمنا الله البيان، وأودع فينا قوة الإفصاح عما في الضمير، ولذا نرى أن علماء التفسير وضحوا لفظ البيان في الآية بأنه الحلال والحرام، أو سبيل الهدى والضلال أو هو علم الدنيا والآخرة، أو أسماء الأشياء كلها، وبعضهم ذهب إلى أن المراد بالإنسان هو النبي صلى الله عليه وسلم والبيان خصوص بيان القرآن، وفي الواقع: البيان اسم جامع لكل هذا، وهو أغلى ما يمتاز به الإنسان على سائر الحيوان.
الشمس والقمر، وكذلك سائر الكواكب والأفلاك يجريان بحساب دقيق، ونظام رتيب، فلا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر، ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون، والشمس والقمر آيتان من آيات الله الكبرى، وهما من نعم الله علينا
فالشمس مصدر الحرارة والحياة، والقمر أساس معرفة الزمن والنجم الذي يطلع من الأرض ولا ساق له، والشجر الذي يطلع وله ساق وفروع وهما يسجدان لله وينقادان له «1» والسماء خلقها مرفوعة العماد بلا عمد، ووضع الميزان، أى: شرع العدل وأمر به حتى انتظم أمر العالم واستقام كما
قال صلى الله عليه وسلم «بالعدل قامت السموات والأرض»
فعل ذلك لئلا تطغوا في الميزان بأن تعتدوا وتتجاوزوا الحدود، ولا تنقصوا الميزان، بل كونوا عادلين فلا زيادة ولا نقصان، والأرض وضعها وهيأها للأنام، يعيشون فيها ويسكنون عليها، ويتمتعون بكل ما فيها، فيها فاكهة «2» يتفكه بها، وفيها النخل ذات الأكمام وفيها الحب ذو العصف والريحان، أى: الرزق المأكول لأنه يرتاح له، فكأن الآية تقول: خلق الأرض لكم فيها الفواكه وخاصة النخل ذات الأكمام، وفيها الحبوب من قمح وشعير ذات العصف، أى: التبن لعلف الماشية، وذات اللب الذي هو رزقكم وأكلكم.
فبأى آلاء ربكما أيها الثقلان من الإنس والجن تكذبان؟! «3» بأى نعمة من نعم مربيكما ومالك أمركما أيها الثقلان تكذبان؟ وتكذيب النعمة يكون بإنكار كونها من الله سبحانه مع عدم الاعتراف بكونها نعمة كتعليم القرآن، أو بإنكار كونها من الله مع الاعتراف بكونها نعمة كالنعم الدنيوية، والتعبير عن كفرهم المذكور بالتكذيب لأن دلالة النعم على الله ظاهرة، وكأنها شاهدة بذلك فكفرهم بها تكذيب لها، ولعل سائلا يسأل ويقول: لم هذا التكرار في قوله: فبأى آلاء ربكما تكذبان؟ والجواب: إنه إنما حسن التكرار للإقرار بالنعم المختلفة، إذ كلما ذكر الله نعمة وبخ وأنكر على من كذب بها، وهذا أسلوب معروف في الشعر والنثر العربي «4» .
(1) - في لفظ يسجدان استعارة تصريحية تبعية حيث شبه جريهما على مقتضى الطبيعة بانقياد الساجد لخالقه وتعظيمه له واستعمل المشبه به في المشبه
…
إلخ.
(2)
- استئناف مسوق لتقرير ما أفادته الجملة السابقة.
(3)
- الفاء لترتيب الإنكار والتوبيخ على ما فصل من أنواع النعم، والاستفهام للإنكار.
(4)
- هذه الآيات التي مرت من أول السورة إلى ما وقفنا نجد فيها فصلا بين جملة علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان مع أن موجب الوصل موجود وهو اتحادها في الخبرية، وقصد التشريك حاصل، ولكنه فصل للإشارة إلى أن كل جملة تضمنت نعمة مستقلة تقتضي الشكر وحدها، وتوجب الإنكار على كفرها مع عدم التقابل بين الجمل وعطف قوله: والنجم والشجر على قوله: والقمر رعاية لتناسبها من حيث التقابل ولأن الشمس والقمر علويان، والنجم والشجر سفليان، والكل منقاد له وخاضع.