الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
وَالصَّافَّاتِ صَفًّا الصف: أن يجعل الشيء على خط مستقيم، يقال: صففت القوم فاصطفوا: إذا أقمتهم على خط مستقيم لأجل الصلاة أو الحرب مثلا فَالزَّاجِراتِ زَجْراً: الزجر الدفع بقوة الصوت، يقال: زجرت الغنم أو الإبل:
إذا فزعت من صوتك فَالتَّالِياتِ: القارئات قرآنا الْمَشارِقِ: جمع مشرق، وهو مطلع الشمس الْكَواكِبِ: هي النجوم والأجرام السماوية التي لا يعلمها إلا خالقها مارِدٍ: عات عار عن الخيرات، مأخوذ من قولهم: شجر أمرد: إذا تعرى عن الورق، ورجل أمرد لتجرده من الشعر. والشيطان من شاط: إذا احترق، لا يَسَّمَّعُونَ: لا يتسمعون مصغين إلى الملأ الأعلى من الملائكة وَيُقْذَفُونَ:
يرمون ويرجمون دُحُوراً: طردا وإبعادا واصِبٌ: دائم خَطِفَ الخطف: الاختلاس والأخذ بسرعة وخفة على غفلة من المأخوذ منه شِهابٌ الشهاب: الشعلة الساطعة من النار الموقدة، والمراد به العارض المعروف في الجو الذي يظهر كأنه كوكب منقض من السماء، وهو الذي يسمى بالشهب والنيازك ثاقِبٌ أى: مضيء، أو يثقب ما ينزل عليه فَاسْتَفْتِهِمْ: فاستخبرهم لازِبٍ: شديد متماسك، يقال: لزب يلزب: إذا اشتد ولزق يَسْتَسْخِرُونَ: يبالغون في السخرية داخِرُونَ: صاغرون وذليلون، يقال:
دخر: ذل وصغر.
المعنى:
يقسم الله- سبحانه وتعالى بالملائكة المصطفين صفوفا للعبادة، أو الصافات أجنحتها في الهواء انتظارا لأمر الله، وقيل: المراد بها الطير تصف أجنحتها في الهواء وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ فالملائكة التي تزجر ما نيط بها من الأجرام العلوية والسفلية
وغيرها على وجه يتناسب بالمزجور، ومن جملة ذلك زجر العباد عن المعاصي بالإلهام وزجر السحاب، أى: سوقها إلى مكانها، زجر الشيطان عن الوسوسة والإغواء، فالملائكة التاليات ذكرا على العباد، إذا هم الذين يجيئون بالكتاب من عند الله- عز وجل إلى الناس.
ولعلك تسأل كيف يقسم الله بالملائكة أو غيرها مع أن الشرع ينادينا بألا نقسم إلا بالله أو بصفة من صفاته؟ ولهذا قيل: إن المراد ورب الصافات صفاّ.. استنادا إلى أنه صرح بهذا في قوله تعالى: وَالسَّماءِ وَما بَناها «1» ويظهر- والله أعلم- أن الله يقسم بهذه الأنواع إظهارا لعظمتها، وبيانا لجميل صنعها، وهذا بالتالى يشعرنا بعظم الخالق وجلال قدره، وكمال قدرته إذ هذه آثاره:«2» إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ وهذا جواب القسم السابق، ولا يقال: إنه كلام مع منكر فماذا يفيد القسم؟ والجواب أنه قسم متبوع بالبرهان الذي يثبت الوحدانية لله- تعالى- رب السموات والأرض، وما بينهما من خلق، ورب مشارق الشمس والكواكب كلها، فإن وجود هذه الكائنات على ذلك التقدير البديع والنظام المحكم أوضح دليل على وحدانية الله- تعالى- وعلى كمال قدرته.
وفي كل شيء له آية
…
تدل على أنه الواحد
وللشمس مشارق بعدد أيام السنة الشمسية، فإن للشمس كل يوم مشرقا خاصا، ولها في كل عام مشرقان رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ «3» باعتبار أقصى مشرق في الشمال وأقصى مشرق في الجنوب، واكتفى بالمشرق عن المغرب لأن عظمة الله في المشرق أظهر وأوضح.
إنا زينا السماء الدنيا التي هي أقرب السموات من أهل الأرض بزينة هي الكواكب فإن الكواكب بذاتها وأوضاعها زينة وأى زينة؟ زيناها وحفظناها حفظا من كل شيطان مارد، فالله- سبحانه وتعالى خلق الكواكب زينة للسماء وحفظا لها من كل شيطان مارد عات خارج عن الطاعة. متعر عن الخيرات. لئلا يسمعوا «4» مصغين إلى الملأ
(1) - سورة الشمس آية 5.
(2)
- أما الفاء في قوله: والصافات صفا، فالزاجرات زجرا فإنها للترتيب الرتبي.
(3)
- سورة الرحمن آية 17.
(4)
- ثم حذفت أن فرفع الفعل، والجملة مستأنفة استئنافا نحويا.
الأعلى: أهل السماء الدنيا فما فوقها وهم الملائكة، وكانوا أعلين بالنسبة إلى ملأ الأرض، وكانت الشياطين يتسمعون، ولكن لا يسمعون، ويقذفون، أى: الشياطين ترمى وترجم من كل جانب من جوانب السماء إذا قصدوا الصعود إليها، أى: كل من صعد من جانب رمى منه الدحور والطرد والإبعاد. ولهم في الآخرة عذاب آخر غير عذاب الرجم بالشهب، عذاب دائم إلى ما شاء الله.
لا يسمعون إلى أخبار السماء، إلا من اختلس من كلام الملائكة مسارقة تبعه شهاب يثقب ما ينزل عليه.
ومن الثابت أن الشياطين كانت قبل البعثة ترمى وقتا، ولا ترمى وقتا، وترمى من جانب ولا ترمى من جانب، وبعد البعثة صاروا يرمون واصبا من كل جانب، كانت الجن قبل البعثة كالمتجسسة من الإنس قد يبلغ الواحد حاجته، وقد لا يبلغ، وقد يقبض عليه ويعاقب، وقد ينجو.
فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم زيد في حفظ السماء. وأعدت لهم الشهب في كل مكان ليدحروهم عن جميع جوانب السماء ولا يقروا في مقعد من المقاعد التي كانوا يقعدونها فصاروا لا يسرقون السمع، ولا يقدرون على سماع شيء مما يجرى فيها إلا أن يختطف أحد منهم بخفة وحركة سريعة خاطفة فيتبعه شهاب ثاقب قبل أن ينزل على الأرض فيلقيها إلى إخوانه، وبهذا بطلت الكهانة، وثبتت النبوة والرسالة. وقد كانت الشياطين تصعد إلى السماء فتقعد منها مقاعد للسمع حتى إذا قضى الله أمرا وتحدث به أهل السماء استرقوه وأخبروا به بعض الكهان فيضيفون إليه الكثير فتصدقه الناس في الحق وفي الباطل، حتى إذا بعث النبي صلى الله عليه وسلم وجدت الشياطين في السماء الشهب مرصودة لكل من يحاول السمع إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً. وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً [سورة الشعراء آية 212][سورة الجن الآيتان 8، 9] .
فانظروا أيها الناس إلى عظم ملكوت الله وإلى مظاهر قدرته وقدس نوره- جل جلاله انظروا واعتبروا لعلكم تهتدون.. وإذا كان الأمر كذلك فاستفتهم- الخطاب لأهل مكة ولكل مشرك بالله- أهم أشد خلقا؟ بل أم من خلقنا من عوامل السماء وما فيها من ملائكة وأفلاك وعوالم الأرض- وما تقل من بحار وجبال وأشجار وأنهار؟! -