الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه ولم يكن لخيانة منه. كِسْفاً جمع كسفة وهي القطعة من الشيء.
مَرْكُومٌ أى: بعضه فوق بعض. بِأَعْيُنِنا: بعناية منا وفي حفظنا وحراستنا «1» . وَإِدْبارَ النُّجُومِ المراد: وقت إدبارها من آخر الليل، أى: غيبتها بظهور نور الصبح.
المعنى:
من الناس من هم في أهلهم مشفقون، ومن عذاب الله خائفون، وهؤلاء ينفع معهم التذكر، والنبي مأمور بأن يذكر بالقرآن من يخاف وعيده.
وإذا كان الأمر كذلك فذكر إنما أنت مذكر، ونبي مرسل، فما أنت بكاهن تبتدع القول وتخبر به من غير وحى، ولست مجنونا لا تعى ما تقول، وهذا رد لقولهم في النبي وبطلان لاعتقادهم فيه أنه كاهن أو مجنون، كما كان يقول عنه عقبة بن أبى معيط، وشيبة بن ربيعة، والمعنى: انتفى عنك الكهانة والجنون بسبب نعمة الله عليك، فأنت بحمد الله ونعمته صادق النبوة راجح العقل سليم المنطق أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ؟ «2» أيقولون: هو شاعر؟ ننتظر به ريب المنون وحوادث الدهر، فإنهم كانوا يجتمعون ويتشاورون في دعوة محمد وأثرها وخطرها، وتكثر آراؤهم ثم ينتهى المجلس في أغلب الأوقات، على أن محمدا شاعر، من الخير أن ننتظر عليه ونصبر وسيهلك كما هلك زهير والنابغة وغيرهما قل لهم: تربصوا فإنى معكم من المتربصين أتربص هلاككم ونجاح دعوتي عجبا لهؤلاء! أتأمرهم أحلامهم بهذا التناقض في قولهم حتى قالوا مرة إنه كاهن، وأخرى إنه مجنون، وثالثة إنه شاعر! ما هذا؟ أيجتمع في رجل واحد الشعر والكهانة والجنون؟!! بل هم قوم طاغون؟ نعم هم قوم أعمت بصيرتهم الضلالة، وأضلهم العناد وسوء التقليد حتى ختم على قلوبهم، وجعل على أبصارهم وأسماعهم غشاوة، فمن يهديهم بعد هذا؟
(1) - فالعين مجاز عن الحفظ.
(2)
- أم التي ذكرت هنا في خمسة عشر موضعا هي بمعنى بل والهمزة، أما بل فللإضراب الانتقالى والهمزة للإنكار والتقريع والتوبيخ بمعنى ما كان ينبغي أن يحصل، أو بمعنى ما حصل هذا.
بل أيقولون تقوله وافتراه من عنده؟ بل هم قوم لا يؤمنون بحال من الأحوال، وكيف هذا؟ أليس محمد واحدا منكم ونشأ في بيئتكم، وتربى في مجتمعكم فهل يعقل أن يأتى بهذا القرآن المعجز؟ إذا كان صحيحا ما تقولون فهاتوا حديثا مثل حديثه، أى: قرآنا مثل قرآنه إن كنتم صادقين. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ كيف تكذبون محمدا رسول الله في التوحيد والرسالة والبعث، وهذا الكون شاهد عدل على ذلك.. أما خلقتم؟ بل أخلقتم من غير شيء أم أنتم الخالقون؟! فأنتم خلقتم أنفسكم فلذلك لا تعبدون الخالق، ولا تصدقون رسوله، وتستبعدون خلقه لكم ثانيا في البعث.
بل أخلقوا السموات والأرض؟!! بل لا يوقنون!! وكيف ينكرون الرسالة لأنها جاءت لمحمد رسول الله من عند ربه الذي خلقه، وهو أعلم بخلقه، وهو المتصرف في هذا الكون لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه، بل أعندهم خزائن رزقه ورحمته حتى يرزقوا من يشاءون، ويقولون: لولا أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم!! بل أهم المسيطرون والأرباب الغالبون؟ لا هذا ولا ذاك، فالله وحده هو الغنى، وعنده مفاتح السموات والأرض، وهو الغالب القادر على كل شيء دون سواه، وهو أعلم حيث يجعل رسالته.
ومن الذي أعلمهم بأسرار الكون ونظامه؟ بل ألهم سلّم يرقون به فيستمعون إلى هذه الأخبار؟ وإذا كان هذا صحيحا فليأت مستمعهم بحجة واضحة ودليل قوى على ما يقول.
عجبا لكم تجعلون لله البنات ولكم البنين! بل أله البنات حيث تقولون: إن الملائكة بنات الله، وتجعلون لكم البنين مع أنه إذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودّا وهو كظيم، فإذا كان لا يرضى بشيء لنفسه فكيف يرضاه الله؟
عجبا لهؤلاء كيف يكذبون رسالتك ولا يتبعون شرعك مع قيام الشواهد على صدقك، بل أتسألهم أجرا على هذا؟ فهم مثقلون بتلك الغرامة، منكرون لها، بل أعندهم علم الغيب فهم يكتبون منه ويخبرون به الناس؟ فإن العقل لا يرى أى دليل على صدق دعواهم الباطلة.
بل أيريدون كيدا بك وبشرعك؟ فالذين كفروا هم المكيدون الذين يحيق بهم المكر السيئ، ويعود عليهم وباله، وقد حصل هذا.
بل ألهم إله غير الله يعينهم ويحرسهم ويملى عليهم تلك الأباطيل؟! سبحان الله وتعالى عما يشركون!! هؤلاء الناس قد ناقشهم القرآن نقاشا معقولا، وأقام عليهم الحجة، وألزمهم البرهان ومع هذا فهم لا يؤمنون، وإن يروا قطعة عظيمة من السماء ساقطة ليعذبهم يقولوا من فرط عنادهم وطغيانهم: هذا سحاب تراكم بعضه على بعض، جاء يمطرنا بالخير والبركات ولم يصدقوا أنه سحاب ساقط عليهم من السماء لعذابهم. وهكذا الإنسان المغرور.
وإذا كان الأمر كذلك، وقد لزمتهم الحجة وظهروا بمظهر المعاند المجادل بالباطل فذرهم غير مكترث بهم، ولا يهمنك أمرهم حتى يلاقوا يومهم المشهود، اليوم الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون، يوم الصواعق والشدائد، اليوم الذي لا يغنى عنهم كيدهم ولا مكرهم شيئا من الإغناء.
وإن للذين ظلموا أنفسهم وغيرهم هؤلاء عذابا دون ذلك يأخذونه في الدنيا، وليس لهم ما يخفف عنهم أو يسليهم أو يريح ضمائرهم أو يقوى عزائمهم كالمؤمنين المصابين في الدنيا، إذا لنا العزاء والتسلية والصبر وحسن الأجر، ورضا الرب الجليل كل ذلك يخفف عنا ما يصيبنا، ولكن أكثرهم لا يعلمون ذلك.
ما مضى كان في شأن الكفار المعاندين الذين وقفوا من النبي موقف العناد والطغيان لم يسمعوا لحجة، ولم يلتفتوا لبرهان، بل ظلوا سادرين في غلوائهم مغرورين بقوتهم وبدنياهم أما أنت أيها الرسول الكريم فاسمع لنصيحة ربك وأنت خير من يعمل بها واصبر لحكم ربك، فكل ما يحكم به ويقدر فهو خير ورحمة، وإن كان فيه ألم وتعب فإنك أيها الرسول في كلاءة ربك وحفظه وعنايته، والله عاصمك من الناس ومؤيدك ومبلغك ما تصبو إليه نفسك الشريفة، وما عليك إلا الرضا بالقضاء وأن تسبح ربك حين تقوم لأى عمل من الأعمال، فسبحه في جوف الليل حيث يسكن الناس وينامون ويبقى الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، وسبحه في إدبار النجوم، أى: قبيل الفجر عند مغيبها حيث تصحو النفس نشيطة صافية من الأكدار.
اللهم وفق كل من يعمل لنشر دينك واستقرار دعوتك إلى العمل الصالح باتباع نصائح القرآن، وتتبع سيرة إمام الأنبياء وخاتم المرسلين.