الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
أَسْرَفُوا: تجاوزوا الحد لا تَقْنَطُوا: لا تيأسوا وَأَنِيبُوا: ارجعوا وَأَسْلِمُوا: من الاستسلام والخضوع بَغْتَةً: فجأة يا حَسْرَتى الحسرة:
الندامة فِي جَنْبِ اللَّهِ: المراد طاعة الله وطلب مرضاته السَّاخِرِينَ:
المستهزئين كَرَّةً: رجعة.
روى عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال: لما اجتمعنا على الهجرة، اتعدت أنا وهشام بن العاص بن وائل السهمي، وعياش بن أبى ربيعة بن عتبة، أى: تواعدنا فقلنا: الموعد أضاة بنى غفار- أى: غديرهم- وقلنا: من تأخر منا فقد حبس فليمض صاحبه، فأصبحت أنا وعياش بن أبى ربيعة وحبس عنا هشام، وإذا به قد افتتن فكنا نقول بالمدينة: هؤلاء قد عرفوا الله- عز وجل وآمنوا برسوله صلى الله عليه وسلم ثم افتتنوا لبلاء لحقهم ألا نرى لهم توبة؟! وكانوا هم أيضا يقولون هذا في أنفسهم، فأنزل الله- عز وجل في كتابه قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ.. الآيات. قال عمر: فكتبتها بيدي ثم بعثتها إلى هشام، قال هشام: فلما قدمت علىّ خرجت بها إلى (ذي طوى) مكان بمكة فقلت: اللهم فهمنيها فعرفت أنها نزلت فينا، فرجعت فجلست على بعيري فلحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم: ورويت روايات أخرى في سبب النزول، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
المعنى:
قل يا محمد مبلغا عنى الذين أسرفوا على أنفسهم، وأفرطوا في المعاصي: يا عبادي لا تيأسوا من رحمة الله فإنه لا ييأس من رحمة الله إلا القوم الكافرون، لا تقنطوا من مغفرة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعا، إنه هو الغفور الرحيم، وهو تعليل للنهى عن اليأس والقنوط، وهذه الآية في كتاب الله، فهي تفتح باب الأمل للعصاة من المؤمنين حتى لا يظلوا سادرين في غيهم راكبين رءوسهم في طاعة أنفسهم وشياطينهم.
والنفس كثيرا ما تشعر بذنبها، وتندم على فعلها، وتذكر ماضيها، وتود لو أنها كانت من المؤمنين الذين عملوا الصالحات، فلو سد باب التوبة والرجوع إلى الله لظل
أغلب الناس يتخبطون في ظلمات المعاصي، ولكن فتح باب التوبة يسد على إبليس كثيرا من النوافذ، وقد تكون توبة العاصي عند الله أحسن من عبادة العابد، والذي يرجع عن السوء، وينخرط في سلك التوابين قد يكون عند الله من المقربين، لأنه يعمل عن عقيدة عملا صادرا من نفس أدركت خطر المعاصي ولذة الطاعات.
الله- سبحانه وتعالى ينهانا عن اليأس ويفتح أمامنا باب الأمل، ويأمرنا بقوله:
وأنيبوا إلى ربكم الذي رباكم وتعهدكم وأنتم ضعاف حتى قوى ساعدكم، وأسلموا له واخضعوا لحكمه وامتثلوا أمره، وبادروا إلى ذلك بسرعة من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة ساعة الموت وطلوع الروح ثم لا تنصرون، ومن ينصركم من الله ويمنعكم منه؟
وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ الآية إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ.. [سورة النساء الآيتان 17، 18] .
واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم، والله- سبحانه- أنزل على الأنبياء كتبا كالتوراة والإنجيل، وأحسنها وأوفاها وأكملها هو القرآن لأن ما تقدمه كان تهيئة لنزوله وإعدادا لقبوله، والله أعلم بأسرار كتابه، وقيل غير ذلك، وسارعوا إلى ربكم، وأسرعوا في امتثال أمره واجتناب نهيه وأنتم الآن في فسحة من العمل من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة، وأنتم لا تشعرون به، اتبعوه كراهة أن تقول نفس يوم الحساب:
يا حسرتى احضرى فهذا أوانك، يا حسرتى على ما فرطت في طاعة الله وأهملت في كل ما يوصلني إلى جواره، ويدخلني جنته، ولات ساعة مندم.
ويا ليتني فرطت في العمل فقط بل كنت من المستهزئين الذين استهزءوا بدين الله، وبمن آمن به، ولعله يخبر بذلك متحسرا على ما قدم.
أو تقول نفس حينما ترى المؤمنين وقد جوزوا على عملهم أحسن الجزاء: لو أن الله هداني لكنت من المتقين كهؤلاء.
أو تقول نفس حين ترى العذاب الذي أعد لها: لو أن لي كرة ورجوعا إلى الدنيا فأعمل صالحا وأكون من المحسنين، كلا إنها كلمة هو قائلها، بلى «1» قد جاءتك آياتي
(1) بلى حرف جواب من الله تعالى لما تضمنه قول القائل: «لو أن الله هداني» من نفى، لأنه لا يجاب بها إلا بعد نفى.