الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِيثاقَكُمْ: عهدكم الذي أخذه عليكم في عالم الذر. الْفَتْحِ أى: فتح مكة.
الْحُسْنى أى: الجنة. يُقْرِضُ المراد: ينفق في سبيل الله.
وهذه الآيات تدعو إلى الإيمان بالله ورسوله وإلى الإنفاق في سبيل الله بعد ما مضى من وصفه جل شأنه.
المعنى:
البذل والتضحية أول الدعائم في حياة الأمم، وأساس نجاح الدعوات والإنفاق في سبيل الله للقيام بأعباء الأمة وما تتطلبه حياتها فريضة فرضها الإسلام الذي هو النظام الإلهى والدستور السماوي وهو حين يعالج مشكلة، يوقظ أولا الضمير، ويحيى الروح الديني، ويربط علاجه بالإيمان ورضا الله ورسوله وكان الإسلام في مستهل حياته- ولا زال كذلك- في أشد الحاجة إلى البذل والتضحية والإنفاق ليسد حاجة المحتاج، ويلم شعث الدولة ويدعم أركان الجيش.
آمنوا أيها الناس بالله ورسوله، فإن كنتم كفارا فكونوا مؤمنين، وإن كنتم مؤمنين فآمنوا بالله إيمانا كاملا، وداوموا عليه، وأنفقوا في سبيل الله، وسبيل الله كل خير يعود عليكم وعلى وطنكم ودينكم، أنفقوا مما تحت أيديكم من الأموال وأنتم خلفاء الله عليها، فالمال مال الله والخير خيره، فأنفقوا منه ولا تبخلوا، وثقوا أنكم ورثتم غيركم فيه وخلفتموه عليه وهو بلا شك سينتقل إلى غيركم، ولن ينفعكم منه إلا ما قدمتموه لله،
والحديث: «ليس لك من مالك إلّا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدّقت فأبقيت» .
وإذا كان الأمر كذلك فالذين آمنوا منكم، وأنفقوا جزءا من مالهم، لهم أجر عند ربهم كبير.
وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم؟ أى شيء استقر لكم وثبت عندكم حالة كونكم غير مؤمنين «1» والحال أن الرسول يدعوكم والقرآن في يمينه
(1) - في هذا إشارة إلى أن (ما) مبتدأ وهي اسم استفهام للإنكار، و (لكم) خبر، و (لا تؤمنون) حال، و (الرسول يدعوكم) حال أخرى [.....]
والسنة في يساره لتؤمنوا بربكم من أول الأمر أو لتداوموا على الإيمان وتقووه وقد أخذ الله ميثاقكم بما نصب من الأدلة المادية في الكون، وما خلق فينا من قوى وغرائز كلها توصل إلى الإيمان، لو نظرنا بها مجردين عن الهوى والتقليد الأعمى، وقيل: إن الميثاق هو ما أخذه ربك على الناس في عالم الذر، حين أشهدهم على أنفسهم قائلا: ألست بربكم؟ قالوا: بلى وما لكم لا تؤمنون والرسول يدعوكم للإيمان، وقد أخذ ربكم عليكم الميثاق، لا عذر لكم، إن كنتم تريدون الإيمان فبادروا إليه.
هو الذي ينزل على عبده محمد آيات بينات هي القرآن الكريم، وينزل معجزات واضحات، كل ذلك ليخرجكم من الظلمات إلى النور، وينقذكم من الكفر إلى الإيمان ويهديكم الصراط السوى، وإن الله بكم لرءوف رحيم.
وأى شيء ثبت لكم غير منفقين في سبيل الله بعد هذا؟! ولله ميراث السموات والأرض وما فيهن، فستخرجون من الدنيا، والله هو الذي يرث الأموال ويعطيها لمن يشاء، ويبقيها عند من يشاء ولن تستفيد إلا ما قدمته من خير، وأما الوارث فأمره عند ربه، وله رزقه وحظه في الدنيا، وكم رأينا من جمع المال الكثير من طريق الحلال أو الحرام ثم تركه لوارثه، فلم يبقه الوارث أكثر من شهور، وأما من جمع فالويل له إن لم يكن قد أدى الزكاة وأنفق في سبيل الله، وتوخى الحق في جمع المال، وكم رأينا أناسا جمعت القليل أو لم تجمع أصلا، وكانت في حياتها مثلا أعلى للمسلم في المعاملة فلم يغش ولم يخادع ولم يكن في جمع المال كحاطب ليل، ثم ترك أولاده ولهم الله فلم يمض غير القليل حتى من الله عليهم بالمال والجاه والغنى والسعادة وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً.
[الكهف 82] يا أخى ثق أنك لن تغني ابنك، والمورث هو الله وحده فأد حقوق الله واحذر الدنيا والمال!! وليس معنى هذا أن تنفق كل مالك، لا: بل اعمل كما أشار النبي صلى الله عليه وسلم على سائله في هذا قائلا معناه: أنفق الثلث والثلث كثير لأن تذر أولادك أغنياء خير من أن تتركهم عالة على الناس يتكففون السؤال. وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ [سورة الإسراء آية 29] .
لا يستوي منكم من أنفق من قبل فتح مكة وقاتل وقتئذ مع من أنفق وقاتل بعده أولئك السابقون أعظم درجة عند الله من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا، وكلهم خير بلا شك، وقد وعدهم الله الجنة، مثوى لهم، والله بما تعملون خبير.