الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واهِيَةٌ: مختلة ضعيفة لا تماسك بين أجزائها. وَالْمَلَكُ أى: الملائكة.
أَرْجائِها: جنباتها، جمع رجا بمعنى الجانب. عَرْشَ رَبِّكَ: هو سرير الملك، أو كناية عن العز والملك والسلطان. خافِيَةٌ أى: حالة خافية كنتم تسترونها عن الناس. كِتابَهُ: صحيفة عمله. بِيَمِينِهِ أى: بيده اليمين، وهي كناية عن اليمن والخير والبركة. هاؤُمُ: خذوا. ظَنَنْتُ أى: تيقنت.
راضِيَةٍ: ذات رضا ويرضى عنها أصحابها. قُطُوفُها دانِيَةٌ: جمع قطف وهو الثمر الذي حان وقت قطافه، والدانية: القريبة التي لا تعب في إحضارها.
فَغُلُّوهُ: ضعوا فيه الغل، أى: ما يكبل به الأسير من القيود والسلاسل.
صَلُّوهُ أى: اجعلوه في جهنم يصلى نارها ويحترق بها. ذَرْعُها: طولها.
حَمِيمٌ: صديق حميم. غِسْلِينٍ: ما يسيل من أهل جهنم من قيح أو صديد أو دم. الْخاطِؤُنَ: الآثمون.
المعنى:
هذا هو وصف ليوم القيامة الموعود به، والذي عبر عنه القرآن أول السورة بقوله:
الحاقة، والذي كذبت به الأمم السابقة، فأهلكها الله جزاء تكذيبها، وحذر قريشا أن تسلك مسلكها.
فإذا أراد الله أن يعلم الناس بيوم القيامة، نفخ الموكل بالبوق نفخة واحدة، يصعق لها ما في السموات وما في الأرض إلا من شاء الله، ثم ينفخ فيه أخرى فإذا الناس قيام ينظرون الحساب: فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة، وحملت الأرض والجبال واضطربت ورفعت من مكانها وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ فدكتا، أى: الأرض السهلة والجبال المرتفعة دكة واحدة حتى صارت مستوية كأنها كتلة واحدة، فيومئذ تتزلزل الأرض وتمور مورا، وتسير الجبال سيرا وتنسف حتى تصير كثيبا من الرمل مهيلا، يوم إذ يحصل هذا تقع الواقعة وتقوم القيامة، فالسماء وعوالمها عند ذلك يختل نظامها وتتشقق جوانبها فهي يومئذ بالية متداعية لا ترى فيها هذا النظام المحكم الدقيق، أما سكانها من الملائكة فيقفون على جوانبها حين تتصدع، كالبيت إذا انهدم منه جزء انتشر سكانه في أرجائه وجوانبه التي لم تسقط.
ويحمل عرش ربك يومئذ ثمانية فوقهم، وهذا تمثيل لكمال عزته وانفراد جلالته
بالملك والسلطان، وأن الكل خاضع لجبروته سبحانه وتعالى لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ؟ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ [سورة غافر آية 16] .
وهذه الأوصاف التي ورد ذكرها في هذه الآيات وغيرها مما يجب أن نؤمن به كما ورد في القرآن والسنة الصحيحة، على أن تشعر قلوبنا بالخشية والخوف من هول ذلك اليوم! يومئذ تعرضون للحساب والثواب لا تخفى منكم حالة خافية كنتم تريدون سترها وإخفاءها وكيف تخفى على علام الغيوب خافية؟ وهو العليم بذات الصدور، إذا كان الأمر كذلك، فأما المتقون الذين اتقوا الله وخافوا هذا اليوم فأولئك يؤتون كتابهم بيمينهم، ويأخذون صحائف أعمالهم باليمين، واليمين يستعملها العرب في مواضع الخير والبركة والفرح والسرور، ولذلك يقول فرحا مسرورا لإخوانه: خذوا اقرءوا كتابي إنه كتاب يسر قارئيه، ولا عجب في ذلك إنى تيقنت أنى ملاق هذا اليوم للحساب فعملت له خير عمل وتجنبت لأجله كل سوء ومعصية، ولذلك كانت النتيجة أنه أصبح في عيشة مرضية وحياة سعيدة هنية، هذه الحياة في جنة عالية البنيان شامخة الأركان، قطوفها دانية على طرف الثّمار ثم يقال له ولأمثاله: كلوا واشربوا هنيئا جزاء ما أسلفتم وقدمتم من صالح الأعمال في الأيام الخوالى.
وأما من أوتى كتابه بشماله لأنه لم يعد لهذا الموقف حسابه، والشمال تستعمل في مواضع الشؤم والحزن ولذلك تراه يقول: يا ليتني لم أعط هذا الكتاب الذي جمع كل الأعمال ولم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ويا ليتني مت فلم أدر ما حسابيه، يا ليت الموتة الأولى كانت القاضية ولم يكن هناك حياة ثانيةا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً
«1» .
يا قوم: أين مالي وأهلى وقوتي وسلطاني؟! ما أغنى عنى مالي وهلك بعيدا عنى سلطاني. ثم يقول الله لملائكته: خذوه وضعوا في يديه الأغلال والأصفاد ثم ألقوه في جهنم يصطلى بنارها، أدخلوه في سلسلة طولها سبعون ذراعا، أدخلوه في نار جهنم.
ولا عجب، إنه كان لا يؤمن بالله العظيم، لم يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، وما كان يحض على طعام الفقير والمسكين، وإذا كان الأمر كذلك فليس له اليوم ها هنا حميم ولا صديق كريم مع أنه في أشد الحاجة إلى الناصر والمعين، وليس له من طعام إلا من قيح وصديد، لا يأكله إلا الخاطئون المذنبون قساة القلوب وأصحاب الأعمال السيئة.
(1) - سورة النبأ آية 40.