الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
ظُلَلٌ: جمع ظلة وهي ما أظلك، والمراد: طبقات النار التي تعلو الطَّاغُوتَ من الطغيان: وهو الظلم، والتاء فيه مزيدة للتأكيد، والمراد: كل ما عبد من دون الله وَأَنابُوا: رجعوا حَقَّ: ثبت ووجب غُرَفٌ: جمع غرفة، وهي الحجرة وَعْدَ اللَّهِ: وعدهم الله بذلك وعدا الْمِيعادَ: الوعد.
المعنى:
أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لعباده من المؤمنين مذكرا لهم وواعظا، أمره أن يأمرهم بتقوى الله ولزوم طاعته، وتقوى الله أخذ الوقاية من عذابه، وامتثال أو امره واجتناب نواهيه، لم ذا؟ لأن الله قد حكم بأنه للذين أحسنوا في هذه الدنيا بامتثال أمر الله وتنفيذ أحكامه حسنة عظيمة، حسنة في الدنيا بالعزة والسلطان والغنى والجاه، وحسنة في الآخرة بالثواب الجزيل والعطاء الكثير.
ومن هنا نعلم أن الإيمان وحده- وهو التصديق بالله وملائكته وكتبه ورسله- لا يكفى بل نحتاج معه إلى تقوى الله، وإن كان الإيمان الكامل جامعا لكل شيء، ولكن الله- سبحانه وتعالى يرشدنا هنا إلى أن المؤمنين هم أولى الناس بتقبل الوعظ وأنهم في حاجة قصوى إلى تقوى الله في كل وقت، فإنى أسمع من بعض الناس يتشدقون بأنهم مسلمون وليسوا في حاجة بعد الذي هم فيه إلى شيء! وإن تعلل بعض المؤمنين بأنهم من بيئة لا تقام فيها أحكام الله وفي بلد يسير على غير الطريق المستقيم فليس هذا عذرا فأرض الله واسعة أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها «1» وأنتم أيها المسلمون ستلاقون في حلكم وترحالكم وفي جميع أوطانكم بعض العنت والشدة من إخوانكم المواطنين، ولا علاج لهذا كله إلا الصبر الذي يقضى على الشدائد، ولكم الجزاء الأوفى على صبركم. إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب.
وأمر الله نبيه أن يقول لهم: إنى أمرت أن أعبد الله وحده مخلصا له ديني عبادة خالية من الشرك والرياء وحب السمعة، أمر صلى الله عليه وسلم ببيان ما أمر به من الإخلاص في عبادة الله الذي هو عبارة عما أمر به المؤمنون من التقوى والإخلاص مبالغة في حثهم على الإتيان بما كلفوه، وتمهيدا لما يعقبه.
وأمرت لأن أكون أول المسلمين، أى: المقدم في الشرف والعمل الكامل.
قل لهم يا محمد: إنى أخاف إن عصيت ربي أخاف عذاب يوم عظيم هوله، شديد ألمه. وفي هذا تحذير للناس وأى تحذير؟! قل لهم: الله وحده أعبد مخلصا له ديني. وليس هذا تكريرا مع قوله: إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ لأنه إخبار بأنه مأمور من جهة الله بالإتيان بالعبادة مع الإخلاص: أما قوله: اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي فهو إخبار بأنه أمر بألا يعبد أحدا غير الله «2» .
فاعبدوا ما شئتم من دونه. وهذا الأمر المقصود منه الزجر والتهديد، وكأنه قال بعد هذا البيان السابق: فاعبدوا ما شئتم فأنتم أعرف بأنفسكم.
(1) - سورة النساء آية 97. [.....]
(2)
- إذ تقديم المفعول- الله- يفيد الحصر.
قل لهم يا محمد: إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم بالشرك والمعاصي، وخسروا أهليهم، أى: أتباعهم حيث أضلوهم، وأضاعوا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة. ألا ذلك هو الخسران المبين.
لهم من فوقهم ظلل من النار وطبقات تعلو رؤوسهم. ولهم من تحتهم ظلل.
وتسميتها ظللا من باب المشاكلة. على أنها ظلل لمن تحتهم في طبقة أخرى من النار.
ذلك العذاب الفظيع يخوف الله به عباده ليخافوا فيجتنبوا ما يوقعهم به. يا عبادي فاتقون، ولا تتعرضوا لما يوجب سخطى وعذابي.
والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها، وأنابوا إلى الله لهم البشرى. والطاغوت هو الشيطان لأنه سبب الكفر والعصيان، أو هو كل معبود دون الله. هؤلاء الذين تركوا عبادة الأوثان، وخالفوا الشيطان لهم البشرى بالثواب من الله على ألسنة الرسل الكرام.
فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله ووفقهم، وأولئك هم أولو الألباب وأصحاب العقول السليمة.
أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ «1» لست أنت مالك أمر الناس ولا أنت تقدر على إنقاذ من في النار، بل المالك والقادر على ذلك كله هو الله- سبحانه وتعالى فأنت ترى أن الله- سبحانه وتعالى جعل استحقاقهم للعذاب وهم في الدنيا بمنزلة دخولهم النار يوم القيامة. وقد جعل حالة النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعوهم إلى الإسلام، ويبالغ في تحصيل هدايتهم، بمنزلة حال من ينقذهم من النار إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ [القصص 56] .
لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف مبنية من فوقها غرف تجرى من تحتها الأنهار. وعد الله المؤمنين بذلك وعدا كريما محققا. والله- سبحانه- لا يخلف وعده. ومن أصدق من الله حديثا؟!
(1) الهمزة للاستفهام الإنكارى، والفاء للعطف على مقدر تقديره: أأنت مالك أمر الناس فمن حقت عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذه؟! والهمزة الثانية لتوكيد الأولى.