الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بيده تحت الشجرة- شجرة الطلح- فبايعناه، غير جد بن قيس الأنصارى اختبأ تحت بطن بعيره، بايعناه على ألا نفر ولم نبايعه على الموت، وفي رواية: بايعناه على الموت، فلما علمت قريش بأمر المبايعة خافوا وأرسلوا سهيل بن عمرو لعقد الصلح الذي سمى (صلح الحديبية) ،
وكتب علىّ- رضى الله عنه-: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل بن عمرو: فما ندري ما بسم الله الرحمن الرحيم، ولكن اكتب ما نعرف:
باسمك اللهم، فكتب، وكتب بعدها: هذا ما كاتب عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سهيل: لو نعلم أنك رسول الله لا تبعناك ولما قاتلناك. ولكن اكتب اسمك واسم أبيك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«امحه» فما استطاع أن يمحوه، فطلب النبي من علىّ أن يريه هذا.
فمحاه النبي بنفسه
، وهكذا نرى اندفاع قريش نحو جاهليتهم وحميتهم في حين أن النبي كانت تنزل عليه من ربه السكينة والطمأنينة وقد ألزمه كلمة التقوى، وكان النبي وصحبه أحق بها وأهلها، وكان هذا الصلح الذي لم يرض عنه بعض الصحابة فتحا مبينا، ونصرا عظيما للدعوة الإسلامية، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم.
المعنى:
لقد رضى الله عن المؤمنين الراسخين في الإيمان الكاملين في الإخلاص، حيث فعل معهم فعل الراضي عنهم، بما جعل لهم من الفتح المبين والتوفيق السديد، وما قدر لهم من الثواب الجزيل، لقد رضى الله عن المؤمنين جميعا الذين بايعوك إلا جد بن قيس الأنصارى فقد كان منافقا ولم يبايع، وفهم من ذلك أنه لم يرض عن الكفار حيث خذلهم في الدنيا، وأعد لهم سوء المصير في الآخرة، ولأجل هذا الرضا سميت تلك البيعة بيعة الرضوان.
لقد رضى الله عن المؤمنين إذ بايعوك تحت الشجرة، شأن الواثق بنفسه المطمئن لنصرة الله له، فعلم الله ما استقر في قلوبهم من الإيمان والإخلاص والصدق في مبايعتهم، فأنزل السكينة عليهم، وأثابهم فتحا قريبا هو فتح خيبر، وقد كان نزول هذه الآيات عند منصرف النبي صلى الله عليه وسلم هو وصحبه من الحديبية، أى: قبل فتح خيبر، فيكون هذا وعدا من الله وقد تحقق، وأثابهم مغانم كثيرة يأخذونها فقد كانت قرية خيبر غنية بالزروع والثمار، وكان سكانها من اليهود على جانب من الثراء، وانظر إلى ختام الآية
بقوله: وكان الله عزيزا لا يغلبه غالب، حكيما فيما صنع لأوليائه، ولا شك أن هذا تذبيل مناسب جدّا.
وعدكم الله مغانم كثيرة في حروبكم- أيها المسلمون- ما دمتم صادقي النية تجاهدون في سبيل الله ولإعلاء كلمته، وهذه المغانم ممتدة إلى يوم القيامة بهذا الشرط، فجعل لكم هذه- أى: غنيمة خيبر- جزاء لكم على امتثالكم أمر الله وأمر رسوله، وكف أيدى الناس عنكم، والظاهر أن المراد بالناس هنا أهل خيبر وحلفاؤها من أسد وغطفان حين جاءوا لنصرة حلفائهم فقذف الله في قلوبهم الرعب، وقيل المراد بالناس: أهل مكة حينما كان المسلمون بالحديبية، والرأى الأول أصح لأن الكف وهم في الحديبية سيأتى خبره، كف أيدى الناس عنكم لتشكروه على ذلك، ولتكون هذه آية للمؤمنين، وأن الله يدافع عن المؤمنين ما داموا مؤمنين، والله بهذا يهديكم إلى صراط مستقيم هو طريق التوكل على الله وتفويض الأمر إليه، فإنه نعم المولى ونعم النصير.
فعجل لكم مغانم خيبر هذه، وعجل لكم أخرى هي غنائم هوازن يوم حنين لم تقدروا عليها في أول الأمر حيث ر كنتم إلى قوتكم، ولم تتوكلوا على الله، ولكن الله أحاط بها واستولى عليها فهي في قبضته وتحت تصرفه يظهر من يشاء عليها، وقد أظهركم عليها حينما لجأتم إليه وتوجهتم له، وكان الله على كل شيء قديرا وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ. ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (الآيتان: 25، 26 من سورة التوبة) ، فهل لنا أن نعتبر ونفوض الأمر إلى الله إنه بصير بالعباد؟!! ولو قاتلكم الذين كفروا من أهل مكة ولم يصالحوكم لولوا الأدبار وانهزموا هزيمة شنيعة، ثم لا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا، وتلك سنة الله مع رسله وأوليائه التي قد مضت من قبل، ولن تجد لسنة الله تبديلا.
وهو الذي كف أيدى كفار مكة عنكم، وكف أيديكم عنهم، وأنتم ببطن مكة، فإن الحديبية بعضها في الحل وبعضها في حرم مكة، كف أيديكم عنهم من بعد أن أظفركم عليهم فقد روى عن ثابت عن أنس أن ثمانين رجلا من أهل مكة هبطوا على النبي صلى الله عليه وسلم من جبل التنعيم متسلحين يريدون أخذ النبي وصحبه على غرة فأخذناهم
سلما- باستسلام منهم وإذعان- فهم قد أخذوا قهرا واستسلموا عجزا، واستحييناهم فأنزل الله وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وكان الله بما تعملون بصيرا وسيجازيكم على ذلك بالجزاء الأوفى.
ولم يكن كفهم عنكم لخير فيهم فإنهم كفروا بالله ورسوله، وأخرجوا رسول الله من مكة، وصدوكم عن المسجد الحرام. وصدوا الهدى- ما يهدى إلى البيت من النعم حالة كون الهدى معكوف ومحبوسا من أن يبلغ محله، وكل ذلك يقتضى قتالهم، فلا يعقل أن يقال: إن الفريقين اتفقوا على عدم القتال، واصطلحوا ولم يبق بينهم نزاع بل النزاع مستمر لأنهم كفروا وصدوا عن المسجد الحرام ومنعوا الهدى من أن يبلغ محله.
وإنما كان الكف والمنع لحكم إلهية الله يعلمها، منها أن هناك رجالا مؤمنين ونساء مؤمنات لم تعلموا أشخاصهم، والله يعلمهم، فإذا كان القتال ولم يكن الكف لقتلتم هؤلاء، وأنتم لا تعلمونهم فتصيبكم منهم معرة وعيب ومكروه ومشقة حيث تجب الكفارة ويحصل الأسف لقتلهم، وخلاصة المعنى: ولولا كراهة أن تهلكوا في الحرب رجالا مؤمنين ونساء مؤمنات بين ظهراني الكفار، وأنتم لا تعلمونهم فيصيبكم بإهلاكهم مكروه لما كف أيديكم عنهم، والله يكره أن يصيبكم مكروه ومعرة، ولكن الله- سبحانه- كفكم عنهم، وكفهم عنكم ليدخل الله بذلك الكف من يشاء في رحمته، أى: في توفيقه لزيادة الخير في الإسلام ومنع إيذاء من لا يستحق من المؤمنين الذين يعيشون في مكة.
لو تميز المؤمنون عن الكفار في مكة، وافترق بعضهم عن بعض، لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما في الدنيا بالقتل والأسر غير عذاب الآخرة «1» .
اذكر إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية الأولى حيث أنفوا من كتابه بسم الله الرحمن الرحيم، ومن وصف النبي بأنه رسول الله، ومن تمسكهم بشروط هي في ظنهم مجحفة بالمسلمين، فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين
(1) - وهذه الجملة مستأنفة مقررة لما قبلها، وجوز بعضهم أن يكون (لو تزيلوا) كالتكرار لقوله تعالى: لولا رجال مؤمنون، وقوله:(لعذبنا) هو جواب لولا.