الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
كَبائِرَ الْإِثْمِ: ما رتب عليه وعيد شديد وَالْفَواحِشَ: ما فحش وعظم قبحه كالزنا مثلا شُورى: ذو شورى، أى: أن أمورهم يتشاورون فيها الْبَغْيُ: الاعتداء الظالم سَيِّئَةٍ: هي الفعلة التي تسيء من تنزل به عَزْمِ الْأُمُورِ: معزومات الأمور التي أمر بها الله.
مَرَدَّ: رجوع إلى الدنيا سَبِيلٍ: طريق خاشِعِينَ: ذليلين طَرْفٍ الطرف: العين، والطرف مصدر طرف بصره يطرف طرفا إذا أطبق أحد جفنيه على الآخر والمرة منه طرفة، يقال: أسرع من طرفة العين مُقِيمٍ: دائم إلى ما شاء الله.
ما مضى كان في بيان صفات المؤمنين التي تؤهلهم إلى التمتع بنعيم الجنان الذي هو خير وأبقى وما هنا بيان الكفار وحالهم ليظهر الفرق جليا واضحا.
المعنى:
ما أعده الله يوم القيامة خير وأبقى من متاع الدنيا الفاني الذي قد يكون سببا في عدم قبول الحق، ما أعده الله للذين آمنوا بالله ورسوله. والذين هم من المتوكلين على الله المفوضين الأمر إليه. لا الذين هم من المتكلين على أعمالهم خير وأبقى.
والذين يجتنبون كبائر الإثم التي توعد الله عليها وعيدا شديدا، واجتنبوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وإذا ما غضبوا هم يغفرون ويعفون، تراهم كفوا نفوسهم عن الشر، وقوتهم الشهوانية عن الفاحشة، وقوتهم العصبية عن الاسترسال في الشر، والذين استجابوا لربهم وانقادوا له وأذعنوا لكل ما يريده منهم راضين محتسبين ذلك عنده من صميم قلوبهم وهم مع ذلك يقيمون الصلاة، وأمرهم يتشاورون فيه فلا يقدم رئيسهم على عمل إلا بعد الاستشارة وأخذ الرأى، يا سبحان الله! تلك هي صفات المؤمنين في كتاب الله لم يلفت نظرنا إلى ترك الكبائر والفواحش وإقامة الصلاة والزكاة فقط، وإنما يبين لنا أن الشورى من مبادئ الإسلام وصفات المؤمنين التي يستحقون بها الفلاح في الدنيا والآخرة حتى تقضى على الدكتاتورية الغاشمة، فلتهنأ الديمقراطية العربية ففي الإسلام متسع لكل خير وفضل، وبعد عن كل ضرر وخطر.
ومن صفاتهم أيضا الإنفاق مما رزقهم الله، تلك الاشتراكية المنظمة السليمة من الآفات والعيوب.
وهكذا الإسلام يبين لنا أن من صفات المؤمنين العزة والكرامة، والاعتزاز بقوة الله والوثوق في نصره، وعلى ذلك فإذا أصابنا بغى وظلم بغير حق وجب علينا أن ننتصر وندافع عن حقوقنا، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يغضب جدا إذا انتهكت حرمة من محارم الله، ويغفر ويعفو لمن ينال من شخصه في بعض الأحيان، والشخص المعتدى عليه ينطبق- إذا كان اعتداؤه بغير قصد، ولم يكن مصرّا عليه، وكان في العفو عنه تسكين لفتنة- عليه قوله تعالى: وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ «1»
وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى «2» .
وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ «3»
وغير ذلك من آيات العفو.
فإن كان في ترك الانتصار جرأة السفهاء، ومذلة المؤمنين، وانتهاك حرمة الدين فالانتصار واجب إذ هم يكرهون أن يذلوا أنفسهم حتى يجترئ عليهم السفلة من الناس بل ينتصرون على من بغى عليهم واعتدى والله معهم. وعلى ذلك فلا تعارض في الآية.
ولكن رد الاعتداء والانتصار للحق يكون على أى شكل؟ لقد رد الله على هذا بقوله: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فإن النقصان حيف، والزيادة ظلم، وبدء الاعتداء سيئة وشر، ورده كذلك يسيء من ينزل به،
لقد صدق الحكيم العربي حيث قال: «الشر بالشر والبادي أظلم» .
فمن عفا عمن ظلمه وأصلح ما بينه وبينه حتى لا يعود إلى الاعتداء فأجره على الله وذلك خير بلا شك، إذ قد شرطنا في القصاص ورد الاعتداء المساواة، وتحقيقها واقعيا بعيد، ففي الغالب يكون معه ظلم وزيادة والله لا يحب الظالمين، ومن هنا نعلم أن الشرع يميل إلى العفو، وأنه أقرب إلى التقوى، وهذا كما قلنا بشروط موكول أمرها للمسلم.
وهل المنتصر لنفسه معتد أم لا؟ لا. ولمن انتصر بعد ظلمه والاعتداء عليه أولئك ما عليهم من سبيل، ولا عقوبة عليهم، إنما الإثم والعقوبة والسبيل على الذين يظلمون الناس بغير حق ويبدءون بالعدوان على الآمنين الهادئين أولئك لهم عذاب أليم.
(1) - سورة الشورى آية 37.
(2)
- سورة البقرة آية 237.
(3)
- سورة آل عمران آية 134.