الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
فَاسْتَفْتِهِمْ: استخبرهم واطلب منهم الفتيا أَمْ معناها بل- الإضرابية- مع همزة الاستفهام إِفْكِهِمْ الإفك: أشد أنواع الكذب أَصْطَفَى: اختار، والاصطفاء: أخذ صفوة الشيء. سُلْطانٌ: حجة قوية. الْجِنَّةِ: الملائكة وسموا بذلك لاستتارهم عن الأنظار نَسَباً: مصاهرة وصلة بِفاتِنِينَ: بحاملين على الفتنة والإضلال صالِ الْجَحِيمِ يقال: صلى النار يصلاها: دخلها واحترق بها.
هذه السورة مكية ناقشت المكيين في عقائدهم وخاصة إثبات التوحيد ونفى الشركة، وإثبات البعث يوم القيامة، وساق الله فيها البراهين القاطعة على ذلك، وبين
ما يلاقيه الإنسان من خير أو شر يوم الجزاء، وما أعد للمؤمنين من النعيم المقيم، ثم ذكر- سبحانه- أنه قد ضل من قبلهم أكثر الأولين، وأنه أرسل إليهم منذرين، ثم أورد قصص بعض الأنبياء- عليهم السلام بشيء من التفصيل متضمنا كل منها ما يدل على فضلهم وعبوديتهم له- عز وجل وما أعد لهم.
ثم أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم هنا- في ختام السورة- بتبكيتهم بطريق الاستفتاء عن كل شيء تنكره العقول، وتأباه الطباع وهو القسمة الجائرة الباطلة حيث كانوا يعتقدون أن الملائكة بنات الله، وذلك أن قبائل جهينة وخزاعة. وبنى مليح. وبنى سلمة.
وعبد الدار زعموا أن الملائكة بنات الله تعالى عما يقولون علوا كبيرا أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ؟ «1» كيف يكون ذلك منهم؟ والحال أنه إذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم! يتوارى من القوم من سوء ما بشر به ويقول: والله ما هي بنعم الولد- الولد يطلق على الذكر والأنثى- أيمسكه على هون وذل أم يدسه في التراب؟ ألا ساء ما يحكمون! فهم يجعلون لله ما يكرهون، وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى لا جرم أن لهم النار، وأنهم قوم مفرطون.
بل أخلقنا الملائكة إناثا؟ وهم حاضرون ذلك؟ وهذا تبكيت وإنكار لهم حيث وصفوا الملائكة وهم قوم أطهار- عباد بالليل والنهار- بأنهم إناث، فهم لا دليل لهم على ذلك إلا الحضور وقد نفى، أما الأدلة العقلية أو النقلية فلا تحتاج إلى بطلان.
ألا إنهم من كذبهم وإفكهم الباطل ليقولون: ولد الله وإنهم لكاذبون في هذه الدعوى إذ ليس لها مصدر إلا الإفك الصريح والافتراء القبيح من غير دليل أو شبهة.
أصطفى البنات على البنين؟ عجبا لكم كيف تقولون إن البنات أولاد الله، وكيف يصطفى البنات على البنين؟ وما لكم كيف تحكمون بهذا الحكم الذي تشهد ببطلانه بدائه العقول؟!.
أتلاحظون ذلك فلا تتذكرون بطلانه؟ مع أن من له أدنى مسكة من عقل ينكره.
بل ألكم سلطان مبين؟ وهذا إضراب انتقالي من توبيخهم وتبكيتهم بما ذكر إلى
(1) الهمزة هنا للاستفهام الإنكارى وهكذا كل استفهام في هذه الآيات.
مطالبتهم بالحجة المنقولة على ما يدعون من أن الملائكة بنات الله إذ الحكم المقبول لا بد له من سند حسى أو عقلي أو نقلي، وقد انتفى حضورهم ومشاهدتهم خلق الملائكة إناثا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ؟ ولا دليل لهم عقلي يؤيد دعواهم أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ؟ فلم يبق إلا الحجة المنقولة فإن كانت فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين، والأمر هنا (فأتوا) للتعجيز، كقولك: اصعد السماء.
روى أن بعض كفار قريش لما قالت: الملائكة بنات الله قال لهم أبو بكر- على سبيل التبكيت والإنكار-: فمن أمهاتهم؟ فقالوا: بنات سروات الجن، فنزل قوله تعالى وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً
وقد كان الخطاب معهم فالتفت يتكلم عنهم (بالغيبة) للإشارة إلى انقطاعهم عن الجواب وسقوطهم عن درجة الخطاب، وعلى ذلك فالمراد بالجنة هم الشياطين، وبالنسب المصاهرة، ولعل المراد بالجنة هم الملائكة وبالنسب النسبة له- سبحانه وتعالى حيث قالوا: هم بنات الله.
وبالله لقد علمت الجنة: أن من يقول ذلك لمحضرون، وفي عذاب جهنم مخلدون فانظروا أين أنتم يا كفار مكة؟
سبحان الله، وتنزيها له عما يصفون! سبحانه وتعالى عما يشركون، وتقديسا له وتنزيها عما يدعيه المبطلون المفترون!! إن من يشرك بالله لفي جهنم محضرون إلا عباد الله المخلصين الذين أخلصوا لله في عبادتهم واصطفاهم ربهم فأخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام، أولئك في الجنة لهم رزق معلوم فواكه وهم مكرمون لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [سورة ص الآيتان 82، 83] .
إذا علمتم هذا فإنكم أيها المشركون ومن عبدتموهم ما أنتم على الله- عز وجل بفاتنين، على معنى: ما أنتم ومعبودكم مفسدين أحدا على الله- عز وجل بإغوائكم إلا من سبق في علم الله- تعالى- أنه ممن يدخلون النار ويصلونها، وبئس القرار، فالأمر كله لله، وقد ترك للعبد حرية الاختيار ليجازيه على عمله بالحسنى أو بالنار.
أما الملائكة الذين تدعون أنهم بنات الله أو تشركونهم مع الله فها هو ذا اعترافهم الصريح، وها هو ذا موقفهم مع الحق- تبارك وتعالى وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ