الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
لا يَسْأَمُ: لا يمل فَيَؤُسٌ: اليأس قطع الرجاء من رحمة الله قَنُوطٌ والقنوط: إظهار أثر اليأس على ظاهر البدن أَذَقْناهُ: آتيناه لَلْحُسْنى المراد:
الجنة غَلِيظٍ: كناية عن الشدة وَنَأى أى: انحرف عنه وذهب بنفسه وتباعد عن الشكر عَرِيضٍ المراد: كثير، فإن العرب تستعمل لفظ الطول والعرض في الكثرة، يقال: أطال فلان في الكلام وأعرض في الدعاء إذا أكثر.
المعنى:
هذا هو الإنسان على طبعه وحقيقته، كما وصفه خالقه الذي هو أعلم به، أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ [الملك 14] وهذه الصفات التي ذكرت هنا وفي بعض السور هي للإنسان من حيث هو إنسان، ولا يخفف من حدتها أو يعدل سورتها أو يقلبها بالمرة إلا اتباع الدين، وتطهير النفس بطهر القرآن، وملؤها بشعاع الإيمان ونور الإسلام وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ
[سورة العصر] وهذه الصفات هي التي تكون له عونا له أو عليه في الآخرة وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً [الكهف 36] وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ. وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ [طه 9- 11] .
ونحن نرى أن القرآن وصف الإنسان بأوصاف:
1-
أنه لا يمل من طلب الخير كالمال والجاه والصحة وغيرها، وهذا ينشأ من حبه للدنيا وإغراقه في المادة
ولقد صدق رسول الله حيث قال: «اثنان منهومان لا يشبعان:
طالب علم وطالب مال» .
2-
إن مسه شر أو حلت به مصيبة فهو يئوس يقطع الرجاء من رحمة الله، قنوط تظهر آثار يأسه على وجهه وبدنه، وقد بالغ القرآن في يأس الإنسان إذا مسه شر، وهذا ينشأ من عدم الإيمان بالله والكفر به فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، فاليأس والإيمان لا يجتمعان في قلب.
3-
إذا آتاه الله رحمة من بعد ضراء مسته في صحته أو ماله، نسى ما كان عليه أولا لأنه إنسان كثير النسيان، واغتر بما أوتى، وقال: إنما أوتيت هذا على علم عندي، فهو لي، وأنا له، وهكذا الماديون الذين يؤمنون بالأسباب المادية فقط دون الإيمان بمسببها جل شأنه، وهذا هو الغرور بعينه، يغتر صاحبه في الدنيا حتى يقول: ما أظن الساعة قائمة، ولو فرض ورددت إلى ربي، وكان هناك حساب وبعث، إن لي عند ربي للجنة والسعة لأنه أعطانى في الدنيا وأكرمنى فيعطيني في الآخرة مثلها وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها أى: من الجنة التي أوتيتها في الدنيا مُنْقَلَباً هذا داء الغرور قد استشرى في الناس، ولا يمنعه إلا سلاح الدين وحرارة الإيمان، ولذا يقول الله:
فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا، وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ فإنه لا يقول بهذا، ولا يعمل بمقتضاه إلا كل كافر أثيم أو من هو مثله.
4-
وإذا أنعمنا على الإنسان بنعمنا التي لا تحصى ولا تعد أعرض عن الشكر، ونأى بجانبه، وذهب بنفسه وتباعد عن الله الذي أعطاه تلك النعم وتباعد عن شكر الله بكليته تكبرا وطغيانا.
5-
وإذا مسه الشر أو حلت به مصيبة فهو ذو دعاء عريض، فهو إن مسه ضر أو فقر أقبل على دوام الدعاء وأخذ في الابتهال والتضرع، وإن مسه خير أعرض عن شكر الله، فهذا هو الإنسان على حقيقته دائم التبدل والتغير لا يستقر على حال أبدا، فهو في الدنيا مشرك متعصب وفي الآخرة ينكر الأصنام وعبادتها ويتبرأ منها، وهو إن أصابه ضر دعا، وإن أصابه خير بغى، فيا ويلك يا إنسان إن لم يدركك الرحمن بلطفه.