الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
ضَلَلْنا العرب تقول: ضل الماء في اللبن: إذا ذهب، وتقول للشيء غلب عليه غيره حتى خفى فيه أثره: ضل، وتقول لما غاب في الأرض: ضل، والمراد هلكنا وصرنا ترابا يَتَوَفَّاكُمْ توفى العدد والشيء: إذا استوفاه وقبضه جميعا، وقالوا:
توفاه الله، أى: قبض روحه، والتوفي والاستيفاء بمعنى واحد، والمراد: يقبض أرواحهم حتى لا يبقى أحد منهم ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ مطأطئوها وخافضوها الْجِنَّةِ: الجن.
المعنى:
وقال المشركون: أإذا هلكنا وصرنا مختلطين بتراب الأرض لا نتميز منه كما يضل الماء في اللبن، أو غبنا في الأرض بالدفن فيها أنبعث؟ والمعنى: أنبعث إذا متنا وصرنا إلى هذا الحال؟ هم بلقاء ربهم للحساب والجزاء كافرون، فلم يكفروا بقدرة الله على الإعادة فقط بل هم كافرون بأصل الثواب والعقاب يوم القيامة، قل لهم: يتوفاكم ملك الموت وهو عزرائيل على الصحيح الذي وكل إليه قبض أرواحكم فلن يفلت منه منكم أحد، ولن يشغله شيء عن قبض أرواحكم إذ هو عمله المطلوب منه ثم إلى ربكم ترجعون، تراه خاطبهم بتوفى ملك الموت لهم ثم بالرجوع إلى ربهم بعد ذلك مبعوثين، وهذا معنى لقاء الله الذي كفروا به.
ذكر هذا المعنى في الأنعام بقوله: تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وفي سورة الزمر: بقوله:
اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها، ولا منافاة لأن الله- تعالى- هو المتوفى حقيقة بخلق الموت وأمر الملائكة بنزع الروح، ولملك الموت أعوان له ينزعون الروح من الأظافر إلى الحلقوم ثم يقبضها عزرائيل الذي هو ملك الموت فلا منافاة بين الآيات.
ولو ترى يا محمد إذ المجرمون ناكسو رءوسهم من الخزي والعار ساعة الحساب لرأيت أمرا فظيعا ولرأيتهم على أسوأ حال وأفظع وضع، وهذا من باب التمني، على معنى ليتك ترى يا محمد المجرمين وقت الحساب وهم في الغم والخزي والهم إلى الأذقان، ليتك تراهم لتشمت بهم حيث تجرعت منهم الغصص ونالك من عداوتهم ما نالك، يقول المجرمون ساعة الحساب: ربنا أبصرنا وسمعنا، أبصرنا بصدق وعدك وسمعنا بصدق
رسلك، فهم قد أبصروا حيث لا ينفعهم البصر أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا «1» يقولون ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا إلى الدنيا نعمل صالحا إنا موقنون، فوعدك حق ولقاؤك صدق، وقد علم الله أنهم لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون، وكيف يكون من هؤلاء إيمان وتوفيقهم إلى الطاعة، ولو شئنا لآتينا كل نفس من النفوس هداها فتهتدى بالإيمان والطاعة باختيار منها وكسب لها ولكن لم نشأ توفيق الناس جميعا إلى ذلك، بل حق القول منى وثبت وحم القضاء ونزل وهو لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ
«2» وعند بعض العلماء في مثل هذه الآيات أن المعنى: ولو شئنا إلجاء الناس إلى الهدى لآتينا كل نفس هداها، ولكن قضت حكمتنا أن يكون للجنة والنار قوم فتركناهم واختيارهم وحق القول منى لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين، وتقول لهم الخزنة حين دخولهم النار: ذوقوا العذاب الأليم بسبب نسيانكم هذا اليوم وترككم الاستعداد له فذوقوا عذاب الخلد الدائم بما كنتم تعملون من الكفر والتكذيب.
وفي قوله تعالى: وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها «3» . وفي قوله: وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً «4» . مع قوله: فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا، لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ «5» . وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ «6» وقع خلاف بين العلماء هل العبد مجبور لا اختيار له نظرا إلى قوله: وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ «7» وأمثالها في القرآن؟ أم هو مختار والاختيار مناط الثواب والعقاب نظرا إلى قوله: فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا؟ والواقع أنه قد فرط أصحاب كل رأى.
والحق- والله أعلم- أن هناك فرقا بين فعل فعلته باختيارك الظاهري، وبين فعل فعلته مضطرا كارتعاش اليد مثلا، فالكل من الله، والله صاحب التصريف، ولكن في الأول يظهر الاختيار بصورة واضحة، وصح تعليق الثواب والعقاب حينئذ بصاحبه ضرورة أنه لا يعرف عند الفعل مشيئة الله له، وإن كان في الواقع هو مجبور على هذا الفعل الموافق للمشيئة فهو مجبور في صورة مختار.
(1) - سورة الكهف آية 26.
(2)
- سورة هود آية 119.
(3)
- سورة السجدة آية 13.
(4)
- سورة يونس آية 99.
(5)
- سورة المزمل آية 19. [.....]
(6)
- سورة الإنسان آية 30 سورة التكوير آية 29.
(7)
- سورة الإنسان آية 29.