الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
الْحِكْمَةَ: العلم النافع والعمل به، والعقل والبصر بالأمور أَنِ اشْكُرْ الشكر لله: طاعته فيما أمر به لَظُلْمٌ عَظِيمٌ الظلم: وضع الأمور في غير مواضعها وَهْناً الوهن: الضعف فِصالُهُ: ترك إرضاعه وهو الفطاعم أَنابَ:
رجع حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ المراد وزن حبة خردل، وهي مثل في الصغر وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ الصعر: الميل، وأصله داء يصيب البعير يلوى عنقه، والمراد هنا لا تعرض عنهم تكبرا عليهم وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ القصد: التوسط، والمراد توسط في المشي بين الإسراع والبطء وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ أى: انقص منه ولا تتكلف رفع الصوت عن الحاجة.
وهذا كلام مستأنف مسوق لبيان بطلان الشرك، وأن الحكمة في اتباع الحق الذي جاءت به الرسل، وجاء في صورة وصية حكيم لابنه أحب الناس إليه ليكون أدعى للامتثال.
المعنى:
وتالله لقد آتينا لقمان الحكمة والعقل، ووهبناه الفهم للأمور، والعمل بما يعلم وهديناه إلى المعرفة الصحيحة فكان لقمان حكيما، ولعل هذا السر وهو أن ما دعا إليه لقمان هو من دواعي الحكمة، ومقتضيات الفطرة السليمة، ولم يكن عن طريق النبوة، وهذا بناء على الصحيح من أن لقمان حكيم وليس نبيا.
ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله على ما أعطاك من النعم وقم بطاعته وأدّ فرضه، ومن يشكر الله فإنما يشكره لنفسه مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ومن كفر فعليه وزر كفره، ولا تزر وازرة وزر أخرى، وليس شكرك بنافع
ربك، ولا كفرك بضاره في شيء فإنه غنى عن الخلق، محمود في السماء والأرض بلسان الحال أو بلسان المقال، وإن لم يحمده أحد من الناس.
هذا هو لقمان الحكيم، أما وصيته لابنه، فاسمعها وتدبرها، فإنها وصية حكيم لابنه، والأب يحب الخير لابنه جدا، فإذا كان عاقلا حكيما كانت وصيته أولى بالاتباع وكان في ذكرها تحريض وإلهاب لكل من يسمعها ليعمل بها، ويتفانى في تحقيقها، فماذا قال؟ وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه: يا بنى لا تشرك بالله أحدا غيره من خلقه إن الشرك لظلم عظيم، وأى ظلم أكثر من هذا! إن الظلم وضع الأمور في غير نصابها، ولا شك أن من يسوى بين الخلق والخالق وبين الصنم وبين الله- جل جلاله لا شك أنه وضع الأمور في غير وضعها الصحيح فهو حرى بأن يوصف بالظلم، هذا هو الوضع السليم بين الأب وبنيه يعظهم ويرشدهم، ويجنبهم المهالك فإذا تغير الوضع وصار الأب والأم مدعاة للشرك، ومصدرا للعصيان فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
ولهذا جاءت الآية وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ.. معترضة بين وصية لقمان لتحديد موقف الابن من أبيه إذا دعاه إلى ما يضله ويرديه فإن الصحيح أن هذه الآية نزلت في سعد بن أبى وقاص وأمه حمنة بنت أبى سفيان كما مر في سورة العنكبوت وذكر القرطبي في تفسيره: أن طاعة الأبوين لا تراعى في ارتكاب كبيرة ولا ترك فريضة وتلزم طاعتهما في المباحات.
ووصينا الإنسان بوالديه أمه وأبيه، وأمه أحق بالعطف من أبيه كما
ورد في الحديث «من أحقّ النّاس بالبرّ؟ قال أمّك»
كررها ثلاثا ثم قال: ثم أبوك، لأنها حملته حالة كونها تضعف ضعفا على ضعف، وفصاله في عامين.
وصيناه أن اشكر لي ولوالديك، فهما قد ربياك وأوجداك في الظاهر، والله قد خلقك في الواقع ونفس الأمر، وإن جاهداك على أن تشرك بي شيئا ليس لك به علم إذ لا وجود له، فلا تطعهما فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وصاحبهما في الدنيا معروفا أى: عاملهما في أمور الدنيا بالحسنى، وأما الدين فلله، واتبع سبيل من أناب إلى وقلد الصالحين المقربين، وخالط هذا الصنف من الناس فإن فيهم الخير كل الخير، ثم إلى مرجعكم يوم القيامة، فأخبركم بما كنتم تعملون، وسأجازيكم عن هذا كله.
يا بنى إنها الفعلة السيئة أو الحسنة إن تك مثقال حبة من الخردل فتكن في جوف صخرة، أو في أى ركن في السماء أو في الأرض يأت بها الله، ويعطى عليها جزاءها كاملا، فإنه يعلمها إذ هو يعلم الغيب والشهادة، وهو اللطيف الخبير.
يا بنى أقم الصلاة فإنها عماد الدين، وأمر بالمعروف. وانه عن المنكر، أمره بما يقوم نفسه، وهو الصلاة، وما يقوم مجتمعه وبيئته وهو الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فإن أصابك شيء في سبيل ذلك- ولا بد أن يأتيك، على أن الإنسان في الدنيا غرض لسهام الأحداث والمنايا، والسهام إذا انطلقت لا ترد- فاصبر على ما أصابك إن ذلك من مكارم الأخلاق، وعزائم أهل الحزم السالكين طريق النجاة، ولا تصعر خدك:
لا تمله عن الناس تهاونا بهم، وتكبرا عليهم، بل أقبل عليهم بوجهك مستبشرا منبسطا من غير كبر ولا علو، ولا تمش في الأرض مرحا، وتمشى بخيلاء فإن ذلك كله يغضب الله إنه لا يحب كل مختال فخور، وتوسط في مشيك فلا تمش مشى المتماوتين، ولا تثب وثب الشطار
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن»
. وأما قول عائشة- رضى عنها-: كان إذا مشى أسرع في مشيته، فإنما أرادت السرعة المرتفعة عن دبيب المتماوتين.
واغضض من صوتك، أى: انقص بعضه واخفضه حتى لا يصل إلى الصوت الأجش الذي يؤذى الجليس، ويقرع الصماخ بقوته، وربما يخرق طبلة الأذن، على أن ارتفاع الصوت دليل على شيء من الغرور والاعتداد وعدم الاكتراث بالغير، والمراد التوسط حتى لا يجهر جهرا ممقوتا، ولا يخافت مخافتة مرذولة، وخير الأمور أوساطها.
فإن من يرتفع صوته في الحديث حيث لا مبرر أشبه بالحمار، وصوته كالنهاق إن أنكر الأصوات وأوحشها لصوت الحمير، وكانت العرب تجعل الحمار مثلا في الذم والغباوة، وكذلك نهاقه.
انظر إلى لقمان الحكيم وهو يوصى ابنه بعدم الشرك بالله، الظاهر والخفى، ويوصيه بأن الله عالم الغيب والشهادة وهو يعلم السر وأخفى وسيجازى على ذلك كله فراقبه وأحسن في العمل، ثم يوصيه بإقامة الصلاة، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر مهما تحمل في سبيل ذلك، ثم يوصيه بالصبر على المكروه فإنه من عزم الأمور، وعالج فيه أدواء النفس الإنسانية فقال له: لا تصعر خدك ولا تتكبر، ولا تمش مرحا مختالا