الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعنى:
لقد مضى ذكر الكفار الذين أجرموا وعملوا السيئات، وما كان من حالهم يوم القيامة، وهنا الكلام على المؤمنين الذين عملوا الصالحات:
إنما يؤمن بآياتنا القرآنية والكونية، ويصدق برسلنا الذين إذا ذكروا بها، وتليت عليهم بعض آياتها خروا ساجدين لله بأعضائهم، وسبحوا بحمد ربهم، أى: جمعوا بين التسبيح والحمد حيث قالوا: سبحان الله وبحمده، وسبحان ربي الأعلى، وهم لا يستكبرون عن عبادته بقلوبهم، فهي عامرة بالإيمان، ترى في العبادة قرة عينها وراحة ضميرها إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ [غافر 6] .
ترى أن الله- سبحانه- بين الدرجة العالية للمؤمن الذي إذا ذكر بالقرآن حصل منه سجود بالأعضاء، وحمد وتنزيه باللسان، وخضوع بالقلب والجنان، كل ذلك بمجرد التذكير لا خوفا من عقاب ولا طمعا في ثواب.
ثم ذكر صنفا أقل وهم الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع، ويبتعدون عن الفراش الوثير، ويهرعون إلى الصلاة يدعون ربهم خوفا من عقابه، وطمعا في ثوابه، وهم ينفقون بعض ما رزقناهم في سبيل الله.
القيام بالليل والتهجد فيه لون من العبادة عال، وتوفيق من الله كبير، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وقد ورد فيه مع هذه الآيات آيات وأحاديث كثيرة كلها تهدف إلى بيان فضله، وجزيل مثوبته.
ففي حديث معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «ألا أدلّك على أبواب الخير؟
الصّوم جنّة، والصّدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النّار، وصلاة الرّجل في جوف اللّيل- قال: ثم تلا تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ حتى بلغ يَعْمَلُونَ أخرجه أبو داود.
وغير هذا الحديث كثير، وروى أبو داود عن أنس بن مالك أن هذه الآية المراد بها التنفل بين المغرب والعشاء، وقيل: هو صلاة الرجل العشاء والصبح في جماعة، فإن هذا يستدعى انتظار الجماعة وهو مشغول بالذكر والتسبيح وصلاة النفل، فقد وصل التجافي أول الليل وآخره، هؤلاء الناس الذين قاموا بالليل أو انتظروا الجماعة في صلاة العشاء والصبح والناس نيام، قد أخفوا أعمالهم، وطهروا نفوسهم من الرياء
والنفاق، لهم جزاء من جنس أعمالهم، فلا تعلم نفس عظمة ما أخفى لهم وأعد في الجنات من النعيم المقيم، والثواب الجزيل على سبيل التفصيل، لما أخفوا أعمالهم أخفى الله ثوابها جزاء وفاقا، قال الحسن البصري: أخفى قوم عملهم فأخفى الله لهم ما لم تر عين ولم يخطر على قلب بشر،
وعن أبى هريرة- رضى الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: «أعددت لعبادي الصّالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر»
قال أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ.
أولئك الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا، وهم الذين يتقبل الله عنهم أحسن ما عملوا، ويتجاوز عن سيئاتهم وعد الله الصدق الذين كانوا يوعدون، ولا غرابة فالعبد يعمل سرا أسره إلى الله لم يعلم به الناس، فأسر الله له يوم القيامة قرة أعين، ولعل التقييد بقوله:«عن المضاجع» لمزيد مدحهم وبيان قوة إيمانهم، لأن المضجع إذا كان مفروشا كان النوم فيه ألذ، والنفس إليه أميل، فإذا هجره المؤمن، والحالة هذه لأجل الصلاة، ومناجاة ربه، كان ذلك أمدح له وأدل على كمال يقينه.
أفبعد ما بيناه من التفاوت بين المؤمن الذي ذكرت أوصافه، والفاسق الكافر الذي ذكرت أحواله يكون المؤمن كالفاسق؟ لا. إنهم لا يستوون أبدا في الدنيا والآخرة. أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فأولئك لهم جنات المأوى التي فيها المساكن والدور والغرف العالية التي أعدت وهيئت لتكون نزلا، أى: للضيافة والكرم جزاء لهم بما كانوا يعملون، وأما الذين فسقوا وخرجوا عن الطاعة فالنار هي المأوى لهم، التي يأوون لها من شدة الموقف حتى إذا ما دخلوها وجدوها نارا تلظى، فيحاولون الخروج، وأنى لهم ذلك؟ إذ كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وقيل لهم تأنيبا وتقريعا: ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون.
ولا غرابة في هذا فالله يقول: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ
[الجاثية 21] أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ [سورة ص آية 28] أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ وليس من العدل في شيء أن يسوى بين المؤمن العامل والكافر الفاسق!!