الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول الثالث:
وجوب تزكية الغلة زكاة الزروع والثمار، وهو قول لأبي زهرة والشيخ عبد الوهاب خلاف، والشيخ عبد الرحمن حسني (1)، والدكتور القرضاوي (2)، والدكتور مصطفى الزرقا (3).
فيجب تزكية غلة المصانع عند استفادتها بإخراج العشر أو نصفه.
الأدلة:
أدلة القول الأول:
1 -
عدم وجود نص من كتاب أو سنة في وجوب الزكاة في أعيان المستغلات والأصل براءة ذمة الناس من هذه التكاليف، وحفظ أموالهم، ولا يجوز مخالفة ذلك إلا بنص صريح ولا وجود لذلك، قال الشوكاني في تعليقه على زكاة المستغلات:"هذه مسألة لم تطنّ على آذان الزمن، ولا سمع بها أهل القرن الأول، الذين هم خير القرون ولا القرن الذي يليه، وإنما هي من الحوادث اليمنية، والمسائل التي لم يسمع أهل المذاهب الإسلامية على اختلاف أقوالهم، وتباعد أقطارهم، ولا توجد عليها آثار من علم، لا من كتاب ولا سنة ولا قياس، وقد عرفناك أن أموال المسلمين معصومة بعصمة الإسلام، لا يحل أخذها إلا بحقها، وإلا كان ذلك من أكل أموال النَّاس بالباطل"(4).
(1) حلقة الدراسات الاجتماعية للجامعة العربية - الدورة الثالثة (ص 241)، وقد قيدوا قولهم بالثابت المنقول فزكاته ربع العشر من قيمة رأس المال.
(2)
وقد قيد القرضاوي ذلك بحساب نسبة الاستهلاك السنوية وخصمها من قيمة الغلة، وعمم قوله على الثابت والمنقول، انظر: فقه الزكاة 1/ 512.
(3)
مجلة أبحاث الاقتصاد الإسلامي في جامعة الملك عبد العزيز العدد الثاني، ج الأول (ص 91)، في مقال له بعنوان: جوانب من الزكاة تحتاج إلى نظر فقهي جديد.
(4)
السيل الجرار (ص 27).
ونوقش: بأنَّ عدم وجود نص في زكاة المستغلات لا يدل على عدم وجوب الزكاة فيها، فإنما نصَّ النبي صلى الله عليه وسلم على الأموال النامية التي كانت منتشرة في المجتمع العربي في عصره وقيس عليها غيرها.
وأجيب: بأنَّ المستغلات كانت منتشرة في المجتمع العربي في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم فقد كان الناس في زمنه صلى الله عليه وسلم يستأجرون ويؤجرون ويقبضون الأجرة ويدل على ذلك:
أ - ما روي عن طاوس (1) أن معاذ بن جبل رضي الله عنه أكرى الأرض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم على الثلث والربع فهو يعمل به إلى يومك هذا (2).
ب - وعن ابن عمر رضي الله عنه أنه كان يكري مزارعه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وصدرًا من إمارة معاوية رضي الله عنهم (3).
ج - وعن رافع بن خديج رضي الله عنه (4) قال: حدثني عمَّاي أنهم كانوا
(1) طاوس: أبو عبد الرحمن طاوس بن كيسان الهمداني ولد سنة 33 هـ، من أكابر التابعين تفقها في الدين ورواية للحديث، أصله من فارس مولده ومنشأه في اليمن وثقه الأئمة منهم ابن معين، توفي حاجًّا، واختلفوا في سنة وفاته، والأقرب أنها سنة 106 هـ. [ينظر: تهذيب التهذيب (5/ 8) وفيات الأعيان (2/ 509)].
(2)
رواه ابن ماجه في كتاب الأحكام، باب الرخصة في المزارعة بالثلث والربع برقم:(2454). وصححه الألباني برقم (1995).
(3)
رواه البخاري: كتاب المزارعة، باب: ما كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يواسي بعضهم بعضا في الزراعة والثمرة، برقم:(2218).
(4)
رافع بن خديج: أبو عبد الله رافع بن خديج بن رافع الأنصاري، صحابي جليل، شهد أحدًا، وأغلب المشاهد التي بعدها، روى عنه جمع من الصحابة والتابعين، توفي في المدينة سنة 74 هـ. [نظر: الإصابة (1/ 495) تهذيب التهذيب (3/ 229)].
يكرون الأرض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ينبت على الأربعاء (1) أو شيء ينبته صاحب الأرض، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت لرافع: فكيف هي بالدينار والدرهم؟ فقال رافع: ليس بها بأس بالدينار والدرهم (2).
فهذه النصوص تدل على انتشار الأجرة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كانوا يستأجرون ويؤجرون ويقبضون الأجرة، ولم يرد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال بوجوب الزكاة في أعيان المستغلات.
2 -
قياس المستغلات على عروض القنية المعفاة من الزكاة بجامع الحبس في كلٍّ منهما (3).
ونوقش: بأنه قياس مع الفارق، لأن عروض القنية مشغولة بحاجات الفرد الأصلية كالبيت المعد للسكنى، بخلاف المستغلات، فهي مشغولة بحوائج التجارة كالبيت المعد للإيجار (4).
وأجيب: بأن هذا الفرق غير مؤثر، لأن كلًّا منهما غير معد للبيع فلا تجب الزكاة فيها، كما أن المستغلات مشغولة بحاجة أصلية والتزام اقتصادي أساسي لاستبقائها والاحتفاظ بها لقيام الإنتاج الصناعي عليها.
(1) قال ابن الأثير: "الربيع: النهر الصغير، والأربعاء جمعه". النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 462).
(2)
رواه البخاري في كتاب الحرث والمزارعة، باب كراء الأرض بالذهب والفضة برقم:(2346، 2347)، ومسلم في كتاب البيوع، باب كراء الأرض بالطعام، وباب كراء الأرض بالذهب والورق برقم:(1548)، (1547)(115).
(3)
ينظر: زكاة الأصول الاستثمارية الثابتة للدكتور محمد شبير ضمن أبحاث الندوة الخامسة لفضايا الزكاة المعاصرة (ص 438).
(4)
ينظر: بحوث في الزكاة للدكتور رفيق المصري (ص 117).