الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تكييف الفلوس، عروضًا أو أثمانًا، فبعضهم اعتبر أصلها وهو العروض، ففرَّق بينها وبين النقدين، وبعضهم اعتبر ما انتقلت إليه وهو النقدية، وأثبت لها أحكام النقدين، من جريان الربا فيهما ووجوب الزكاة ونحوهما، وهو الأرجح لقيامها مقامهما (1).
دليل القول الرابع:
إن الأوراق النقدية تكسب قيمتها مما استندت إليه من غطاء الذهب، فهي بدل عما استعيض بها عنه وهو الذهب والفضة، وللبدل حكم المبدل، ويؤيد ذلك أنها إذا زالت عنها الثمنية أصبحت مجرد قصاصات ورق لا تساوي شيئًا (2).
ونوقش: بأن هذا الرأي بناء على افتراض تغطية الأوراق النقدية بالذهب أو الفضة غطاء كاملًا، وحيث إن الواقع خلاف ذلك، وأن الغطاء ليس لكل تلك الأوراق؛ وإنَّما لقليل منها، ولا يلزم كونه ذهبًا أو فضةً، فقد يغطى بعقار ونحوه، وأن الأوراق إنما تستمد قوتها من اعتبار الدولة لها قوة شرائية ووسيطًا في التبادل.
كما أنَّه يلزم على هذا القول اعتبار جميع الأوراق جنسًا واحدًا، مما يجب معه المماثلة عند الصرف، وفي هذا مشقة على الناس لا موجب لها، لا سيما مع اختلاف جهات إصدارها وتفاوت أسباب الثقة والقوة بينها (3).
دليل القول الخامس:
اشتمال النقود الورقية على وظائف النقود، وذلك أنها مقاييس للقيم، وموجب
(1) المراجع السابقة، وانظر الأوراق النقدية في الاقتصاد الإسلامي (ص 180)، وأوراق النقود ونصاب الورق النقدي 39/ 319 مجلة البحوث الإسلامية.
(2)
الورق النقدي (ص 79)، أوراق النقود ونصاب الورق النقدي 39/ 321 مجلة البحوث الإسلامية.
(3)
الورق النقدي (ص 80)، الأوراق النقدية في الاقتصاد الإسلامي (ص 204).
للإبراء، ومستودع للثروة يمكن اختزانه عند الحاجة، وثقة الناس الكبيرة في التعامل بها، لقانونيتها وحماية الدولة لها، فليست الصفة النقدية مختصة بالذهب والفضة، بل هي ثابتة لكل ما يتخذه الناس نقودًا ويؤدي وظائف النقود، ومن ذلك تلك الأوراق (1).
وهذا القول هو الراجح لوجاهة دليله، مع كونه سالمًا من المناقشة واللوازم، وبذلك صدر قرار المجمع الفقهي الإسلامي بمكة، ونَصُّه كالآتي:
أولًا: إنه بناء على أنّ الأصل في النقد هو الذهب والفضة، وبناء على أنّ علة جريان الربا فيهما هي مطلق الثمنية في أصح الأقوال عند فقهاء الشريعة، وبما أنّ الثمنية لا تقتصر عند الفقهاء على الذهب والفضة، وإن كان معدنهما هو الأصل، وبما أن العملة الورقية قد أصبحت ثمنًا، وقامت مقام الذهب والفضة في التعامل بها، وبها تقوّم الأشياء في العصر، لاختفاء التعامل بالذهب والفضة، وتطمئن النفوس بتمويلها وادخارها، ويحصل الوفاء والإبراء العام بها، رغم أن قيمتها ليست في ذاتها، وإنما في أمرٍ خارج عنها، وهو حصول الثقة بها، كوسيط في التداول والتبادل، وذلك هو سر مناطها بالثمنية.
وحيث إن التحقيق في علة جريان الربا في الذهب والفضة هو مطلق الثمنية، وهي متحققة في العملة الورقية، لذلك كله فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي يقرر أنّ العملة الورقية نقد قائم بذاته له حكم النقدين من الذهب والفضة، فتجب الزكاة فيها ويجري عليها الربا بنوعيه، فضلًا ونسيئة، كما يجري ذلك في النقدين من الذهب والفضة تمامًا باعتبار الثمنية في العملة الورقية قياسًا عليهما، وبذلك تأخذ العملة الورقية أحكام النقود في كل الالتزامات التي تفرضها الشريعة فيها.
(1) الورق النقدي (113).
ثانيًا: يعتبر الورق النقدي نقدًا قائمًا بذاته كقيام النقدية في الذهب والفضة وغيرهما من الأثمان، كما يعتبر الورق النقدي أجناسًا مختلفة تتعدد بتعدد جهات الإصدار في البلدان المختلفة، بمعنى أن الورق النقدي السعودي جنس، وأن الورق النقدي الأمريكي جنس، وهكذا كل عملة ورقية جنس مستقل بذاته، وبذلك يجري فيها الربا بنوعيه فضلًا ونسيئةً، كما يجري الربا بنوعيه في النقدين الذهب والفضة وفي غيرها من الأثمان.
وهذا كله يقتضي ما يلي:
(أ) لا يجوز بيع الورق النقدي بعضه ببعض أو بغيره من الأجناس النقدية الأخرى من ذهبٍ أو فضةٍ أو غيرهما نسيئةً مطلقًا، فلا يجوز مثلًا بيع ريال سعودي بعملة أخرى نسيئة بدون تقابض.
(ب) لا يجوز بيع الجنس الواحد من العملة الورقية بعضه ببعض متفاضلًا، سواء كان ذلك نسيئة أو يدًا بيد، فلا يجوز مثلا بيع عشرة ريالات سعودية ورقًا بأحد عشر ريالًا سعوديًّا ورقًا نسيئة أو يدًا بيد.
(جـ) يجوز بيع بعضه ببعض من غير جنسه مطلقًا، إذا كان ذلك يدًا بيد، فيجوز بيع الليرة السورية أو اللبنانية، بريال سعودي ورقًا كان أو فضة أو أقل من ذلك أو أكثر، وبيع الدولار الأمريكي بثلاثة ريالات سعودية أو أقل من ذلك أو أكثر إذا كان ذلك يدًا بيد، ومثل ذلك في الجواز بيع الريال السعودي الفضة، بثلاثة ريالات سعودية ورقًا، أو أقل من ذلك أو أكثر يدًا بيد؛ لأن ذلك يعتبر بيع جنس بغير جنسه، ولا أثر لمجرد الاشتراك في الاسم مع الاختلاف في الحقيقة.
ثالثًا: وجوب زكاة الأوراق النقدية، إذا بلغت قيمتها أدنى النصابين من ذهب أو فضة، أو كانت تكمل النصاب مع غيرها من الأثمان والعروض المعدة للتجارة.
رابعًا: جواز جعل الأوراق النقدية رأس مال بيع السلم والشركات.
والله أعلم وبالله التوفيق، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم (1).
كما هو رأي مجمع الفقه الإسلامي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي (2) وفتوى هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية (3).
(1) قرار مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته الخامسة، العدد 1/ 193.
(2)
قرار رقم 21 (9/ 3)(ص 40) من قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي.
(3)
ينظر: مجلة البحوث الإسلامية 1/ 220.