الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سبب الخلاف:
قال ابن رشد (1): "والسبب في اختلافهم هل الزكاة عبادة أو حق مرتب في المال للمساكين؟
فمن رأى أنّها حق قال: لا زكاة في مال مَن عليه الدين؛ لأن حق صاحب الدين متقدم بالزمان على حق المساكين، وهو في الحقيقة مال صاحب الدين، لا الذي المال بيده، ومن قال: هي عبادة، قال: تجب على من بيده مال؛ لأنّ ذلك هو شرط التكليف وعلامته المقتضية الوجوب على المكلف، سواءً كان عليه دينٌ أو لم يكن، وأيضًا فإنه قد تعارض هنالك حقان: حق الله، وحق الآدمي، وحق الله أحق أن يقضى، والأشبه بغرض الشرع إسقاط الزكاة عن المدين لقوله صلى الله عليه وسلم:". . . صدقة تؤخذ من أغنياكم وترد على فقرائهم. . ."(2)، والمدين ليس بغني" (3). اهـ.
المسألة الثانية: تأثير الديون الاستثمارية المؤجلة في بلوغ النصاب
المراد بالدين الاستثماري: ما ينشأ من عقد المعاوضة بين الدائن والمدين، فيستفيد المدين من الأجل، ويستفيد الدائن من زيادة ثمن السلعة نتيجة الأجل،
(1) ابن رشد: هو محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطبي، أبو الوليد، الشهير بابن رشد الحفيد، الفقيه الأصولي المالكي، وهو فيلسوف مشهور، ولد بقرطبة، عام 520 هـ، قبل وفاة جده بأشهر، وتوفي بمراكش عام 595 هـ، اشتغل بالفقه وولي القضاء، ومن طرائف ما ينقل عنه أنه لم يترك الاشتغال عن العلم إلا ليلتين ليلة وفاة والده، وليلة عرسه، وله مصنفات كثيرة منها: الكتاب المشهور بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ومنهاج الأدلة، والكليات. [ينظر: الديباج المذهب 2/ 257، سير أعلام النبلاء 2/ 307].
(2)
تقدم تخريجه (ص 44).
(3)
بداية المجتهد 3/ 61، قلت: وهذا السبب قد لا يكون مطردا، فكثير من الفقهاء يرون أنها عبادة وحق في المال، ومع هذا اختلفوا في مسألتنا، فلعل سبب الخلاف يعود إلى أن المسألة تتنازعها أصول تظهر لمن تأمل أدلة المسألة.
ومحل البحث هو عن تأثير الدين الناشئ من المعاوضة على نصاب المدين الزكوي، وهل يخصم منه؟ أم يكتفى بإنقاص ما حل من الدين على المدين؟
يمكن بناء هذه المسألة على ما تقدم بيانه في منع الدين لوجوب الزكاة في مال المدين إذا كان حالًّا، وليس عند المدين عروض قنية زائدة عن حاجته الأصلية تقابل الدين، وبناء عليه يمكن تقسيم هذه المسألة الأقسام التالية:
1 -
إذا كانت الديون لتمويل أصول ثابتة بقصد الاستثمار وزيادة الأرباح وكانت زائدة عن الحاجات الأصلية للمدين، فإن هذه الديون تجعل في مقابل تلك الأصول، ولا تُنقص من الأموال التي في يده والغلة المستفادة له، ومثال ذلك: تاجرٌ يملك مبلغ مليون ريال، واشترى مصنعا بمليون ريال، على أن يسدد ثمنه في عشر سنوات مقسطًا، وغلة المصنع مائة ألف ريال سنويًّا، فإذا حل قسط من الدين جعله في مقابل قيمة المصنع، ويزكي ما بيده من أموالٍ زكوية؛ لأن الديون عوض عن المصنع، ولأن له قيمة مالية يباع عليه عند إفلاسه، ويسدد منها ديونه، ويتبين بذلك أن هذه الديون لا تؤثر على نصاب ما بيد المدين من أموالٍ زكوية، إلا إذا لم تف قيمة الأصول الثابتة بسداد الديون الحالة.
2 -
إذا كانت الديون لتمويل أصول ثابتة ضرورية لا تزيد عن حاجته الأصلية، فيُنقص الدين الحال وهو القسط السنوي من دخل المدين، ولا يُنقص الدين المؤجل لما تقدم (1)، ومثال ذلك: من اشترى سيارة أجرة لنقل الركاب -وهي مصدر دخله- بمبلغ خمسين ألف ريال على أن يسدد ثمنها مقسطًا في كل سنة عشرة آلاف، فيخصم من وعاء الزكاة القسط الحال من الدين، ويزكي ما بقي من مال المدين إن بلغ نصابًا وإلا لم تجب فيه الزكاة.
(1) ينظر: (ص 68).