الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خمسة أوسق صدقة" (1). ولأجل معرفة مقدار هذا النصاب بالمقاييس الحديثة كان لا بد من معرفة مقدار الصاع النَّبوي (2)؛ لأنَّ النصاب مُقَدَّر بالأوسق، والوسق مقدر بالصاع، ويتبين مقدار الصاع بمعرفة المدّ لأنَّه مُقَدَّر به، فقد اتفق العلماء على أنَّ الصاع النبوي أربعة أمداد بِمُدِّه صلى الله عليه وسلم (3).
الفرع الأول: مقدار المُدّ النبوي
قدَّر جماعة من العلماء المُدَّ بأنه أربع حفنات بحفنة الرجل الوسط، أو بملء كفي الإنسان المعتدل إذا مدَّ يديه بهما (4).
= وقيَّد بعضهم النصاب بالصاع، وقد استدلوا بعمومات النصوص الموجبة للزكاة في الخارج من الأرض كقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [البقرة: 267]، وقوله صلى الله عليه وسلم:"فيما سقت السماء العشر".
انظر بدائع الصنائع 2/ 95، ورد المحتار 3/ 242، وأجيب عن استدلالهم بالعمومات: بأنّها مخصوصة بما بلغ خمسة أوسق جمعًا بين النصوص، ولأن الحبوب والثمار أموال، فلم تجب الزكاة في يسيرها كسائر الأموال الزكائية، ينظر: المغني 4/ 161، وقد أطال ابن القيم في ترجيح مذهب الجمهور في إعلام الموقعين 2/ 371.
(1)
متفق عليه، رواه البخاري، كتاب الزكاة، باب من أدى زكاته فليس بكنز، برقم:(1405)، ومسلم، كتاب الزكاة، باب ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة، برقم:(2263). كلاهما عن أبي سعيد.
(2)
الصاع: هو إناء يكال ويجمع على أصْوُع وأصواع وصُوع -بالضم- وصيعان، وصعته أصوعه كِلْتُه بالصاع، وسمي صاعًا؛ لأنه يدور بالمكيل، انظر: معجم مقاييس اللغة 3/ 321، والقاموس المحيط (ص 955).
(3)
وقد حكى الإجماع على ذلك النووي وابن الرفعة من الشافعية، انظر: شرح النووي على مسلم 8/ 359، والإيضاح والتبيان (ص 63).
(4)
المد: هو مكيال، ويجمع على أمداد ومِدَد ومِداد، قال في القاموس المحيط:"المُدُّ بالضَّم مكيال، وهو رطلان، أو رطل وثلث، أو ملء كفي الإنسان المعتدل إذا ملأهما ومدّ يديه بهما، وبه سمي مدًّا، وقد جربت ذلك فوجدته صحيحًا". (ص 407)، وانظر: النهاية في غريب الحديث (ص 861).
وذلك بالنظر إلى أنّ المدّ وحدة كَيل يقاس بها حجم ما يوضع فيها كما هو الحال في الصاع أيضًا، وقد عمد الكثير من العلماء إلى تحديد المدّ والصاع بالوزن، ليحفظ مقداره وينقل، لعدم وجود مقاييس متعارف عليها يضبط بها الحجم سابقًا، كما ذكر ذلك ابن قدامة رحمه الله فقال:"والأصل فيه -أي الصاع- الكيْل وإنما قدر بالوزن ليحفظ وينقل"(1).
ولذا فقد قدر الفقهاء المد النبوي بالأرطال (2)، فذهب جمهورهم إلى أن المد النبوي هو رطل وثلث (3).
مستدلين على ذلك بما جاء من الآثار الدالَّة أنَّ المعتمد في الكيل مكيال المدينة، كما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"المكيال مكيال أهل المدينة، والميزان ميزانُ أهل مكة"(4)، وهو مجمع عليه عند أهل الحجاز كما قال أبو عبيد رحمه الله: "وأما أهل الحجار فلا اختلاف بينهم فيما أعلمه أنَّ
(1) المغني 4/ 168، وقال البهوتي: والوسق والصاع والمد مكاييل نقلت إلى الوزن، أي قدرت بالوزن، لتحفظ فلا يزاد ولا ينقص منها، وتنقل من الحجاز إلى غيره وليست صنجًا (كشاف القناع) 2/ 412، والصنج مأخوذ من صنجة الميزان وهي ما يوزن بها. مختار الصحاح (370).
(2)
الرَّطل والرِّطل: الذي يوزن به ويكال، والأشهر أنه أداة تستخدم للوزن، وربما استخدم للكيل، ويساوي ثنتي عشرة أوقية، بأواقي العرب، والأوقية تساوي أربعين درهمًا، انظر القاموس (1300)، ومعجم مقاييس اللغة (2/ 403).
(3)
ينظر: الكافي في فقه أهل المدينة (103)، مواهب الجليل 2/ 366، روضة الطالبين 20/ 233، مغني المحتاج 1/ 221، الفروع 2/ 412، كشاف القناع 1/ 144، خلافًا للحنفية، كما في بدائع الصنائع 2/ 73، واستدلوا بما روي عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ برطلين. رواه الدارقطني في كتاب زكاة الفطر 2/ 153، ونوقش: بأن الحديث لا يصح، قال ابن حجر:"تفرد به موسى بن نصر وهو ضعيف، قال في العلل: ليس بالحافظ ولا القوي"، ينظر: لسان الميزان 6/ 133. وانظر للاستزادة: المحلى 5/ 167.
(4)
رواه أبو داود، كتاب البيوع، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: المكيال مكيال المدينة، برقم:(3340)، =