الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول المراد بالعاملين على الزكاة
يتفق الفقهاء بأن وصف العاملين عليها يُرَاد به السُّعَاةُ الذين ينصبهم الإمام لجمع الزكاة من أهلها (1)، ويختلفون في تفاصيل ذلك المعنى والزيادة عليه؛ فالحنفية يقتصرون على الوصف المذكور (2)، بينما يوسع الجمهور معنى العاملين عليها ليشمل مع جمع الزكاة تفريقها وتوزيعها (3).
(1) ينظر: المبسوط 3/ 9، بدائع الصنائع 2/ 43، الكافي لابن عبد البر (ص 114)، منح الجليل 2/ 86، الأم 2/ 91، روضة الطالبين 2/ 313، الشرح الكبير 7/ 222، كشاف القناع 2/ 274.
(2)
كما في قول السرخسي في تعريفهم: "هم الذين يستعملهم الإمام على جمع الصدقات، ويعطيهم مما يجمعون كفايتهم وكفاية أعوانهم" المبسوط 3/ 9.
(3)
ينظر: المراجع المتقدمة، ولَعلَّ سبب الخلاف في معنى العاملين عليها يعود لأمرين:
1 -
الاختلاف في بعض الأعمال هل تلزم لأصحاب الأموال أم لعمال الصدقات؟ ولعل الأظهر أن كل ما كان بعد قبض الزكاة كان عمل العامل على الصدقات، وما كان قبل ذلك فمن أعمال أرباب الأموال، ويلزمهم القيام به ودفع تكاليفه، ومن ذلك تكاليف إحصاء المال الزكوي وميزانيات الشّركات ونحو ذلك. وقد أشار لهذا المعنى النووي في روضة الطالبين 2/ 313.
2 -
الاختلاف في مدى الحاجة لبعض الأعمال؟ ويتقرر هذا بوجود الحاجة، فكل من احتيج إليه فيها، فهو من العاملين عليها، وكذا كل ما يحتاج إليه من الأعمال المساعدة في جمع الزكاة أو توزيعها، وقد أشار لمعنى ذلك ابن قدامة في المغني 9/ 312، وغيره.
ويتبين أن ما تقدم هو سبب الخلاف من كلام الفقهاء، كما هو ظاهر في كلام الشافعي، حيث يقول رحمه الله في كتابه الأم 2/ 91: "العاملون عليها: من ولاه الوالي قبضها وقسمها،=
قال البغوي (1) في تفسير لفظ العاملين عليها: "هم السعاة الذين يتولون قبض الصدقات من أهلها، ووضعها في حقها "(2).
ولا شك أن توسعة معنى العاملين عليها - كما هو مذهب الجمهور - هو الموافق لمدلول اللفظ، وللمقصود من الزكاة، وهو إيصالها لمستحقيها وإغناؤهم بها، وهذا مما لا يتم الواجب إلا به، وليس الجامع للزكاة بأولى من الموزع لها في الأخذ من سهم العاملين عليها؛ لاشتراك المصنفين في القيام بمصلحة الزكاة وإيصالها لمستحقيها، والعمل فيها، كما أن ذلك هو ما تدل عليه السنة العملية فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم معاذًا أن يأخذ الصدقة من أغنيائهم فيردها في فقرائهم (3).
ورُوِي أن زيادا وَلّى عمران بن حصين الصدقة، فلما جاء قيل له: أين المال؟ قال: أو للمال بعثتني، أخذناها كما كنا نأخذها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضعناها حيث كنا نضعها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (4)، وعن أبي جحيفة قال: أتانا مصدق النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ الصدقة
= من أهلها كان أو غيرهم، ممن أعان الوالي على جمعها وقبضها من العرفاء، ومن لا غنى للوالي عنه، ولا يصلحها إلا مكانه، فأما رب الماشية يسوقها فليس من العاملين عليها، وذلك يلزم رب الماشية، وكذلك من أعان الوالي عليها ممن بالوالي الغنى عن معونته، فليس من العاملين عليها الذين لهم فيها حق، والخليفة ووالي الإقليم العظيم الذي يلي قبض الصدقة، وإن كانا من العاملين عليها، القائمين بالأمر بأخذها، فليسا عندنا ممن له فيها حق من قِبَلِ أنهما لا يليان أخذها".
(1)
البغوي: هو أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي، الشافعي، المفسر، ولد عام 436 هـ وكان يلقب بمحيي السنة، وبركن الدين، وكان سيدًا إمامًا عالمًا زاهدًا قانعًا باليسير، له مصنفات مفيدة، منها: شرح السنة، ومعالم التنزيل وغيرهما. وقد توفي بمرو الروذ في شوال عام 516 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء (19/ 439).
(2)
ينظر: تفسير البغوي 4/ 63، وبنحوه قال ابن جرير في تفسيره 6/ 397.
(3)
رواه البخاري، كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة (1395)، ورواه مسلم كتاب الإيمان باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام. برقم:(19).
(4)
رواه أبو داود كتاب الزكاة باب في الزكاة هل تحمل من بلد إلى بلد؟ برقم: (1625)، وحسن الأثر الألباني في تخريج أحاديث مشكلة الفقر في الإسلام. برقم:(1384).
من أغنيائنا، فوضعها في فقرائنا، وكنت غلاما يتيما، فأعطاني منها قلوصا (1).
وإن كان لا يظهر في أن الحنفية وغيرهم يقصرون اللفظ على الجباية دون التفريق والتوزيع، لكن لعلهم اكتفوا بالأول لدلالته على الثاني؛ لذا فقد جعل بعض الفقهاء المعنى عامًّا لكل مَن يحتاج إليه فيها، كما صنع ابن قدامة رحمه الله حيث قال عن العاملين عليها:"وهم السعاة الذين يبعثهم الإمام لأخذها من أربابها، وجمعها، وحفظها، ونقلها، ومَن يعينهم ممن يسوقها ويرعاها ويحملها، وكذلك الحاسب والكاتب والكيّال والوزَّان والعدَّاد، وكل مَن يحتاج إليه فيها"(2).
وقد قال الماوردي (3) رحمه الله في هذا المعنى ما نصه: "السهم الثالث
(1) رواه الترمذي، أبواب الزكاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء أن الصدقة تؤخذ من الأغنياء فترد على الفقراء، برقم:(644)، وأخرجه الدارقطني، كتاب الزكاة، باب الحث على إخراج الصدقة وبيان قسمتها، برقم:(7)، (2/ 137). وفيه أشعث بن سوار؛ ضعفه ابن حجر في تقريب التهذيب، برقم:(524)، وضعفه الألباني خلال حكمه على سنن الترمذي نفس المصدر السابق: إلا أنه عند البيهقي، كتاب الزكاة، باب من قال لا يخرج صدقة قوم منهم من بلدهم، برقم:(12919) رواية عن الأعمش عن عون بن أبي جحيفة عن أبي جحيفة، لكن فيه أبو أمية محمد بن إبراهيم وإسماعيل بن زكريا، وقد وصفهما ابن حجر بأنهما صدوقان في التقريب (445)، فلعل بهذا يقوى سند أشعث بن سوار. والله أعلم.
(2)
المغني 9/ 312، وانظر الإنصاف 3/ 221 حيث قال فيه:"العامل على الزكاة: هو الجابي لها والحافظ لها والكاتب والقاسم والحاشر والكيال والوزان والعداد والساعي والراعي والسائق والحمال والجمال ومن يحتاج إليه فيها غير قاض ووال".
(3)
الماوردي: هو علي بن محمد بن حبيب الماوردي، قيل: نسبته إلي بيع ماء الورد، ولد بالبصرة سنة 364 هـ، وانتقل إلى بغداد، وهو إمام في المذهب الشافعي، وهو أول من لقب بأقضى القضاة في عهد القائم بأمر الله العباسي. وكانت له المكانة الرفيعة عند الخلفاء وملوك بغداد. إنّهم بالميل إلى الاعتزال. وتوفي في بغداد. من تصانيفه: الحاوي في الفقه والأحكام السلطانية وأدب الدنيا والدين، وقانون الوزارة، توفي سنة 450 هـ. ينظر: طبقات الشافعية 3/ 302 - 314، والشذرات 3/ 258، والأعلام للزركلي 5/ 146.
سهم العاملين عليها وهم صنفان: أحدهما: المقيمون بأخذها وجبايتها، والثاني: المقيمون بقسمتها وتفريقها من أمين ومباشر متبوع وتابع، جعل الله تعالى أجورهم في مال الزكاة، لئلا يؤخذ من أرباب الأموال سواها " (1).
فيتبين مما تقدم أن جهاز العاملين عليها في العصر الحاضر يشمل قسمين؛ قسما لتحصيل الزكاة، وقسما لتوزيعها (2).
وقد استثنى فقهاء المالكية (3)، وهو الوجه الأصح عند الشافعية (4) الحارس والراعي والخازن من سهم العاملين عليها، وعلل المالكية ذلك بأنه لا حاجة إليهم لوجوب تفرقة الزكاة فورًا، وفي حال الاضطرار إليهم فيعطون من بيت المال (5).
ويجاب عن ذلك بعدم التسليم؛ لأن النص يصدق على هؤلاء لعملهم في الزكاة وقيامهم بمصلحتها، كما أن الحاجة إليهم ماسة، لا سيما مع كثرة الأموال الزكوية وتعذر إنفاقها فورًا.
وأما القول بدفع أجورهم من بيت المال عند الاضطرار فهو مسلَّم في حال عدم
(1) الأحكام السلطانية (ص 157). فقد نص الفقهاء على عدد كبير من التخصصات كالتي نقلنا أعلاه، ومن ذلك ما قاله النووي في روضة الطالبين 2/ 313:"ويدخل في اسم العامل الساعي، فالكاتب والقسام، والحاشر وهو الذي يجمع أرباب الأموال، والعريف وهو كالنقيب للقبيلة، والحاسب وحافظ المال، قال المسعودي: وكذا الجندي، فهؤلاء لهم سهم من الزكاة ".
(2)
ينظر: فقه الزكاة 2/ 620، ومصارف الزكاة للعاني (ص 197) وقال فيه عن العاملين عليها:"ويقصد بهم كل من يعمل في الجهاز الإداري والمالي لشؤون الزكاة من تحصيلها وحفظها وتوزيعها على المستحقين. .".
(3)
ينظر: منح الجليل شرح مختصر خليل 2/ 86.
(4)
ينظر: روضة الطالبين 2/ 313.
(5)
ينظر: منح الجليل شرح مختصر خليل 2/ 86.
كفاية سهم العاملين عليها لتغطية مستحقاتهم، وأما مع الكفاية فلا دليل يوجب ذلك، بل هم بذلك يزاحمون المستحقين في بيت المال حقوقهم.
كما استثنى الشافعية في الوجه الأصح الكيَّال والوزَّان وعاد الغنم (1)، وجعلوها على المالك، وعللوا ذلك بأنها لتوفية ما عليه، وقاسوها على أجرة الكيال في البياع، فهي على البائع (2)، وهذا مُسَلَّمٌ فيما كان قبل قبض العامل للزكاة، كتمييز المزكي لماله الزكوي من غيره، فأما بعد دفع مال الزكاة للعامل فإن ما ينشأ بعد ذلك من عمل يتعلق بجمع الزكاة أو نقلها أو حفظها، ونحو ذلك فإنه يكون من عمل عامل الزكاة الذي يحتاج إليه في ذلك، فيستحق به الأخذ من سهم العاملين، وهذا مما لا خلاف فيه حتى عند الشافعية (3).
وقد أصدرت الندوة الرابعة لقضايا الزكاة المعاصرة تعريفًا شاملًا لمصرف العاملين عليها، جاء فيه ما يلي:"العاملون على الزكاة هم كل من يعيِّنهم أولياء الأمور في الدول الإسلامية، أو يرخصون لهم، أو تختارهم الهيئات المعترف بها من السلطة أو من المجتمعات الإسلامية للقيام بجمع الزكاة وتوزيعها، وما يتعلق بذلك من توعيةٍ بأحكام الزكاة، وتعريف بأرباب الأموال وبالمستحقين، ونقل وتخزين وحفظ وتنمية واستثمار"(4).
(1) ينظر: روضة الطالبين 2/ 313.
(2)
ينظر: المجموع 6/ 174، روضة الطالبين 2/ 313، واستثنى الحنابلة في رواية المكتبة، ينظر: الإنصاف 3/ 221.
(3)
قال النووي: "قلت: هذا الخلاف في الكيال ونحوه ممن يميز نصيب الفقراء من نصيب المالك، فأما الذي يميز بين الأصناف فأجرته من سهم العاملين بلا خلاف". روضة الطالبين 2/ 313، وقد نص المرداوي من الحنابلة على أنَّ أجرة كيل الزكاة ووزنها ودفعها على المالك. ينظر الإنصاف 3/ 221.
(4)
فتاوى وتوصيات ندوات قضايا الزكاة المعاصرة (ص 65).