الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية: صرف سهم المولفة قلوبهم في إيجاد مؤسسات لرعاية المسلمين الجدد
تقدم بيان أقسام المؤلفة قلوبهم، ومن ذلك المسلمون الذين يُرتجى ثباتهم، وقُوة إيمانهم، وعلى ذلك جمهور الفقهاء (1)، حيث دلت على ذلك الأدلة من الكتاب والسنة، كما تقدم بيانه من عموم قوله تعالى:{وَاَلْمُؤَلَفَةِ قُلُوبُهُمْ} (2).
كما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى المؤلفة قلوبهم في وقائع متعددة (3)، ومن أظهر الأقسام دخولًا في هذا المسمى هم حديثو العهد بالإسلام، ممن يُرتجى ثباتهم وتقوية إيمانهم، لاتفاق الفقهاء القائلين بعدم نسخ حكم المؤلفة قلوبهم على مشروعية إعطاء هذا القسم، (4) ولعل ذلك بسبب كونهم من المسلمين، مع الحاجة إلى تأليف قلوبهم لاستثباتهم على الدين، فيستنقذون بذلك من النار، كما أن في تأليف قلوبهم نصرة للإسلام بتقوية أتباعه وثباتهم.
ومما تقدم يتبين أهمية إيجاد مؤسسات لرعاية المسلمين الجدد لما لها من مصالحَ شرعيةٍ كبيرة على الفرد والمجتمع، ولما في وجودها من قوة ونُصرة للمسلمين، لا سيما مع ضراوة الجهود المبذولة من أعداء الدين لصد المسلمين الجدد عن دينهم بتشكيكهم في حقائق الإسلام، مع الترغيب والترهيب، مما يؤدي
= وزيد الخير الطائي، ثم أحد بني نبهان، قال: فغضبت قريش، فقالوا: أَتُعطِي صناديد نجد وتَدَعُنَا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني إنما فعلت ذلك لأتألفهم" رواه مسلم، كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم برقم:(1064).
(1)
ينظر (ص 390) من هذا المبحث.
(2)
سورة التوبة (60).
(3)
ينظر المطلب الأول من هذا المبحث.
(4)
من المالكية والشافعية والحنابلة، وقد تقدم بيان ذلك بالتفصيل في المطلب الأول من هذا المبحث.
ببعض حدثاء العهد بالإسلام إلى النكوص عنه لضعف إيمانهم مع قوة الصارف وقلة المعين، لذا فإن من المهم جدا صرف الجهود والعناية بهذا الشأن، بالعمل المؤسسي الجماعي الذي يتسم بالقوة والتنظيم والتطور، ومن هنا فقد بحث الفقهاء المعاصرون مسألةَ دفع الزكاة من مصرف المؤلفة قلوبهم لمثل تلك المؤسسات التي تقوم برعاية المسلمين الجدد، وهو قول كثير من المعاصرين (1)، وجاء قرار الندوة الثالثة لقضايا الزكاة المعاصرة مُبَيِّنًا أهم المجالات التي يُصَرف عليها هذا السهم، وذكر منها هذا النوع؛ حيث نص على ما يلي:"الثالثة: إيجاد المؤسسات العلمية والاجتماعية لرعاية من دخل في دين الله، وتثبيت قلبه على الإسلام، وكل ما يمكنه من إيجاد المناخ المناسب معنويًّا وماديًّا لحياته الجديدة"(2).
(1) ينظر: أبحاث الندوة الثالثة لقضايا الزكاة المعاصرة؛ مصرف المؤلفة قلوبهم، بحث الشيخ ابن منيع (ص 163)، وبحث الدكتور وهبة الزحيلي (ص 175)، وعن مثل ذلك يقول الدكتور عمر الأشقر في كتابه تأليف القلوب على الإسلام (ص 61) ما نصه "استخدام هذا المصرف في إيجاد مؤسسات لرعاية المسلمين الجدد. وهذا الباب من أول ما يدخل في التأليف على الإسلام ورعاية مَن أسلم حديثًا ضروري لتثبيت قلوبهم على الإسلام، وتقوية إيمانهم، وقد قرأت ورأيت كيف يمارس أهل الكفر ضغوطًا رهيبة على مَن أسلم من أهل ملتهم، فيُحارب في رزقه، ويُهَدَّد في نفسه، فإذا وجدت هذه المؤسسات فإنها تقوم بدور رعاية مثل هؤلاء، فيجدون في ظلها الأمن والأمان، ثم إن هذه المؤسسات ترفع عبئًا كبيرًا عن كاهل الأفراد الذين يُعْنَوْن بنشر الإسلام؛ فإن إسلام الكفار على أيدي الدعاة يوجب على هؤلاء الدعاة التزامات قد لا تطيقها قدراتهم المالية، وأنا أعرف بعض هؤلاء الذين أسلم على أيديهم عدد من النصارى في دول الغرب يعانون معاناة شديدة بسبب التكاليف التي يبذلونها لرعاية المسلمين الجدد. وحتى تقوم هذه المؤسسات فإنه يجب على لجان الزكاة وبيوت الزكاة أن تخصص شيئًا من مواردها للإنفاق على هؤلاء الذين ذكرناهم منا. ولا فرق في هذا الصنف بين الأغنياء والفقراء، ولا بين الأشراف والقادة وغيرهم، فكلهم يستحق الرعاية والاهتمام، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة".
(2)
فتاوى وتوصيات ندوات قضايا الزكاة المعاصرة (ص 54).
القول الثاني:
عدم جواز صرف الزكاة لتلك المؤسسات من مصرف المؤلفة قلوبهم، وهو قول لبعض المعاصرين (1).
أدلة القولين:
دليل القول الأول:
أن في ذلك تثبيتًا للمسلم على إسلامه وتقويةً له، وذلك من معاني تأليف القلوب على الإسلام التي يُشرع الصرف لها (2).
دليل القول الثاني:
1 -
أن تلك المؤسسات التي يُرَاد منها رعاية المسلمين الجدد لم يتحقق فيها شرط صرف الزكاة للمؤلفة قلوبهم، وهو التّمليك.
2 -
أن في الصرف لتلك المؤسسات من هذا المصرف تداخلًا بينه وبين مصرف (في سبيل الله)، ومن المعلوم أن الأخير لا يُشترط فيه التّمليك، بخلاف الأول، مما يتبين معه أن إلحاق هذه المسألة بمصرف (في سبيل الله) أظهر (3).
الترجيح:
يترجح القول الثاني، وهو عدم جواز الصرف من هذا المصرف لمثل تلك المؤسسات إلا بشرط التّمليك، فيجوز صرف الزكوات التي يتملكها أولئك المسلمون، أما ما لا يُملك منها لِمُعَيَّن، كالذي يصرف في شؤون المؤسسة الإدارية والوظيفية ونحو ذلك، فإنما يجوز الصرف عليه من سهم المؤلفة قلوبهم على خلاف
(1) ينظر: أبحاث الندوة الثالثة لقضايا الزكاة المعاصرة، مناقشة الدكتور عجيل النشمي (ص 181) حسين حامد (ص 182).
(2)
ينظر: تأليف القلوب على الإسلام، (ص 61).
(3)
ينظر: أبحاث الندوة الثالثة لقضايا الزكاة المعاصرة؛ مصرف المؤلفة قلوبهم، (ص 182).