الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم الثاني: الحق المالي
وهو قسيم للحق الأدبي، ويراد به ما يثبت للمبتكر من اختصاص شرعي بابتكاره الذهني، يمكنه من التصرف فيه، والاستئثار باستغلاله استغلالًا مباحًا شرعًا (1).
ومما تقدم يتبين أن الحقوق المعنوية بشقيها المالي والإداري حقوق غير مادية، ذات قيمة مالية معتبرة شرعًا وعرفًا، ولها شَبهٌ كبير بالمنافع (2) من جهة انعدام المادية، وتحقق المالية في كل منهما (3).
ولا يظهر لي مانع من اعتبارها حقًّا من جهة ثبوتها، ومنفعةً من جهة الاستفادة منها مع انعدام ماديتها (4).
وقد صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي باعتبارها حقوقا ذات قيمة مالية، ونصه:"الاسم التجاري، والعنوان التجاري، والعلامة التجارية، والتأليف والاختراع أو الابتكار هي حقوق خاصة لأصحابها، أصبح لها في العرف المعاصر قيمة مالية معتبرة لِتَمَوُّلِ الناس لها. وهذه الحقوق يعتد بها شرعًا، فلا يجوز الاعتداء عليها"(5).
(1) ينظر: حقوق الاختراع والتأليف (ص 109).
(2)
تطلق المنافع عند الففهاء غالبا على الفائدة العَرَضية التي تُستفاد من الأعيان بطريق استعمالها كركوب الدابة وعمل العامل ونحوها، ولا تتناول الفائدة المادية، كاللبن بالنسبة للحيوان، والثمر بالنسبة للشجر، والأجر بالنسبة للأعيان التي تستأجر، وإنما يسمى ذلك عندهم غلة. معجم المصطلحات الفقهية (ص 330).
(3)
ينظر: زكاة الحقوق المعنوية للبعلي (ص 66).
(4)
ينظر: حقوق الاختراع والتأليف (ص 231)، قال الزنجاني:"إن إطلاق لفظ المال على المنافع أحق منه على العين؛ إذ الأشياء لا تسمى مالا إلا لاشتمالها على المنافع؛ ولذلك لا يصح بيعها بدونها". تخريج الفروع على الأصول 1/ 225.
(5)
قرار رقم 5، في الدورة الخامسة ج 3/ 2579.
فيتبين مما تقدم أن الحقوق المعنوية مال، وهذا مُتَّفِقٌ مع مذهب جمهور الفقهاء الذين يوسعون معنى المال ليشمل كل ما كان له قيمة مادية بين الناس، ويشرع الانتفاع به سواء كان عينيًّا أو معنويًّا (1)، خلافًا للحنفية الذين يخصون المال بما له قيمة من الأعيان (2).
ولا شكّ أن ما ذهب إليه الجمهور هو الأظهر، لما يلي:
1 -
أن مسمى المال من المسميات المطلقة التي لم يرد لها حدٌّ شرعًا ولا لغة، فيكون مردُّها للعرف، وقد تعارف الناس على مالية غير الأعيان مما له قيمة كالمنافع وبعض الحقوق.
2 -
أن الأدلة الشرعية جاءت باعتبار غير الأعيان كالمنافع أموالًا، كما في قوله صلى الله عليه وسلم:"أَنْكَحْتُكَهَا بما معك من القرآن"(3). فجعل صداق المرأة منفعة، وهو
(1) وبنحوه عرف عبد السلام العبادي المال وففا لمذهب الجمهور، كما في كتابه الملكية 1/ 179، ومن تعاريف الجمهور للمال تعريف الشاطبي المالكي له:"بأنّه ما يقع عليه الملك، ويستبد به المالك عن غيره إذا أخذه من وجهه". الموافقات 2/ 17 كما نقل السيوطي عن الشافعي قوله: "لا يقع اسم المال إلا على ما له قيمة يباع بها، وتلزم متلفه، وإن قلت، وما لا يطرحه الناس مثل الفلس وما أشبه ذلك" ونقل عنه: أن كل ما يُقَدَّر له أثر في النفع فهو متمول، الأشباه والنظائر 1/ 327، وقال ابن حجر:"فالذي يظهر أن المال ما له قيمة" فتح الباري 7/ 489، وعرفه الحنابلة بأنّه:"ما فيه منفعة مباحة لغير حاجة أو ضرورة" كشاف القناع 3/ 152. انظر: الملكية للعبادي 1/ 173، معجم المصطلحات الاقتصادية (ص 293).
(2)
ويتبين ذلك من تعريفاتهم للمال، حيث عرفه في المبسوط 11/ 79 بقوله:"اسم لما هو مخلوق لإقامة مصالحنا به، ولكن باعتبار صفة التمول والإحراز. . ."، وفي رد المحتار 4/ 501 عرف المال بأنّه:"ما يميل إليه الطبع، ويمكن ادخاره لوقت الحاجة"، ويتبين من تلك التعريفات اشتراط العينية للمال. انظر الملكية للعبادي 1/ 173، معجم المصطلحات الاقتصادية (ص 293).
(3)
متفق عليه، رواه البخاري في كتاب النكاح باب التزويج على القرآن وبغير صداق برقم: =
لا يكون إلا مالًا، كما في قوله تعالى:{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} (1).
3 -
أنّ حصر المالية بالأعيان لا دليل عليه، فكل ما أمكن تموله مما له قيمة يُعَدُّ مالًا، بل إن الأعيان لا تقصد إلا لمنافعها (2).
وقد ترتب على اختلافهم في تعريف المال خلافهم في مالية المنافع، فالجمهور يعدون المنافع أموالًا (3)، وأما الحنفية فلا يعدونها كذلك (4).
* * *
= (4854)، ومسلم في كتاب النكاح، باب: الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد وغير ذلك من قليل وكثير، واستحباب كونه خمسمائة درهم لمن لا يجحف به، برقم:(1425) بلفظ: (ملكتها).
(1)
سورة النساء (24).
(2)
قال الزنجاني: "إطلاق لفظ المال عليها أحق منه على العين؛ إذ التضمين لا يسمى مالا إلا لاشتمالها على المنافع، ولذلك لا يصح بيعها بدونها" تخريج الفروع على الأصول 1/ 225.
(3)
ينظر: المبسوط 5/ 71، بدائع الصنائع 2/ 278.
(4)
ينظر: التاج والإكليل 7/ 307، روضة الطالبين 5/ 12، كشاف القناع 3/ 152.