الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل: أي الجهاد أفضل؟ فقال: "كلمة حق عند سلطان جائر"(1).
وقال: "جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم"(2)(3).
3 -
أن الدعوة إلى الله لو لم تكن داخلة في معنى الجهاد بالنص لوجب إلحاقها بالقياس؛ فكلاهما يُراد به نصرة دين الله وإعلاء كلمته (4).
الترجيح:
يترجح القول الخامس، وهو تخصيص معنى سبيل الله بالجهاد، مع توسيع هذا المفهوم ليشمل كل ما يتحقق به نصرة الدين، وذلك لقوة أدلة هذا القول، ويتأكد ذلك بما يلي:
1 -
أن كثيرًا من استعمالات سبيل الله تصدق على الجهاد (5)، مما يجعل هذا
(1) رواه أحمد في مسنده (4/ 314) برقم (18850) ورواه النَّسائيُّ، كتاب البيعة، باب فضل من تكلم بالحق عند إمام جائر برقم:(4209) وهو مرسل، وقد جاء الحديث موصولًا برواية عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري، وقد أخرجه أبو داود بلفظ:"أفضل الجهاد، كلمة عدل عند سلطان جائر". كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي، برقم:(4344)، ورواه الترمدي بهذا الطريق، في كتاب الفتن، باب ما جاء في أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر، برقم (2174)، ورواه ابن ماجه، كتاب الفتن، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، برقم (4011). وصحح ابن كثير هذه الرواية في تفسيره 4/ 99، وصحح الألباني الحديث بروايتيه كما في السلسلة الصحيحة برقم:(491) 1/ 886.
(2)
تقدم تخريجه (ص 411).
(3)
ينظر: فقه الزكاة 2/ 704.
(4)
المرجع السابق.
(5)
قال ابن الأثير: "فالسّبيل في الأصل الطريق، ويذكر ويؤنث، والتأنيث فيها أغلب، وسبيل الله عام يقع على كل عمل خالص سلك به طريقا للتقرب إلى الله تعالى=
المعنى أقرب من غيره فقد ورد لفظ: (في سبيل الله) خمسين مرة منها؛ ثمانية وثلاثين منها مع القتال والجهاد، وثمانية مواضع مع الإنفاق؛ سبعة منها في الإنفاق مع القتال، والثامن هو آية الصدقة، والأربعة المتبقية تمام الخمسين وردت مع الهجرة التي يراد بها التوجه لديار الإسلام إعزازا للدين، فيتبين من ذلك أغلب المواضع التي ورد فيه اللفظ أريد به الجهاد (1).
= بأداء الفرائض والنوافل وأنواع التطوعات، وإذا أطلق فهو في الغالب واقع على الجهاد حتى صار لكثرة الاستعمال كأنه مقصور عليه". النهاية في غريب الحديث الأثر 2/ 338، وإن كان إطلاق الاستعمال الأغلب في حق ذلك اللفظ على الجهاد فيه نظر، إلا أنه استعمال كثير شائع، حيث إن ذلك يحتاج لتفصيل كما بين الدكتور القرضاوي في فقه الزكاة 2/ 701، ما مفاده: أن لفظ سبيل الله قد يطلق ويراد به المعنى العام الشامل لكل أنواع البر والطاعات وسبل الخيرات كقوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262)} [البقرة: 262]، فذكر المن والأذى دال على أنه إنفاق على الفقراء لا على الغزاة. وقوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34)} [التوبة: 34]، فالمراد المعنى الأعم لئلا يكون المنفق لماله على الفقراء واليتامى وابن السّبيل من الكانزين المستحقين للعذاب. وقد يطلق ويراد به المعنى الخاص: وهو نصرة دين الله، ويميز هذا المعنى عن سابقه وروده بعد الجهاد والقتال، كقوله:{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: 244]، {وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: 218]، ومثل ذلك قوله تعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)} [الأنفال: 60]، فالسياق دال على أن المراد هو نمرة دين الله وأوليائه.
وانظر مصرف (وفي سبيل الله بين العموم والخصوص)، (ص 15).
(1)
ينظر مشمولات مصرف في سبيل الله بنظرة معاصرة 2/ 848 ضمن أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة، فقد أجرى الدكتور عمر الأشقر في هذا البحث دراسة لاستقراء نصوص الكتاب والسنة الوارد فيها اللفظ محل البحث في الموضع المشار إليه: "وقد أظهرت الدراسة التي أجريناها على جميع النصوص التي ورد فيها لفظ في سبيل الله في القرآن =
2 -
أن تفسير مصرف في سبيل الله بالجهاد هو قول عامة السلف، وجماهير الفقهاء المتقدمين والمتأخرين (1).
3 -
أن جميع الآيات التي ذكر فيها سبيل الله مقيدا بالجهاد بالنفس ذكر معها الجهاد بالمال مما يفيد توسيع مفهوم الجهاد في سبيل الله بما هو أعم من الغزو (2). كما جاء إطلاق الجهاد في النصوص بما هو أوسع من الغزو، في مثل قوله تعالى:{وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52)} [الفرقان: 52](3). وقد تقدمت بعض الأحاديث الدالة على ذلك في أدلة القول الخامس.
4 -
أن المقصود من الغزو هو نصرة الدين ودحر الكافرين المعتدين، وهذا يتحقق في الجهاد بالمال واللسان ببيان الحق والدعوة إليه ودحض الباطل ورَدّه،
= وعلى جملة من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم صحة استقراء جمهور العلماء الذين قصروا مصرف في سبيل الله في آية الزكاة على الجهاد، لأن لفظ في سبيل الله إذا أطلق في مصطلح الكتاب والسنة يراد به الجهاد". إلى قوله:"وقد أوردنا ثلاثين حديثًا من غير الأحاديث التي اقترن بها في سبيل الله بالقتال والجهاد، ورأينا أن جميع هذه الأحاديث أريد بلفظ في سبيل الله فيها الجهاد والقتال. ولكن ينبغي أن يعلم أن دائرة الجهاد لا تقتصر على القتال فحسب، بل تشمل كل مجالات الصراع بين المسلمين والكفار على النحو الذي بيناه فيما سلف". وينظر: للاستزادة في دراسة نصوص في سبيل الله في الكتاب والسنة: مصرف وفي سبيل الله بين العموم والخصوص (ص 15).
(1)
قال ابن العربي في أحكام القرآن 2/ 533: "قال مالك: سبل الله كثيرة، ولكني لا أعلم خلافًا في أن المراد بسبيل الله هاهنا الغزو من جملة سبيل الله، إلا ما يؤثر عن أحمد وإسحاق فإنهما قالا: إنه الحج. والذي يصح عندي من قولهما أن الحج من جملة السبل مع الغزو". قال ابن قدامة في المغني 9/ 326: "هذا الصنف السابع من أهل الزكاة، ولا خلاف في استحقاقهم، وبقاء حكمهم، ولا خلاف في أنهم الغزاة في سبيل الله؛ لأن سبيل الله عند الإطلاق هو الغزو".
(2)
مصرف وفي سبيل الله بين العموم والخصوص (ص 20).
(3)
سورة الفرقان (52).
لا سيما في هذه الأزمنة التي ساد فيه الإعلام حتى وصل لسائر بقاع الأرض، وكان له الأثر الكبير في تشكيل عقول الناس وتبديل مفاهيمهم حقا كان ذلك أو باطلًا، بل لقد أصبح الغزو الفضائي بوسائل الإعلام أشد أثرا من الغزو العسكري، مما يؤكد ضرورة عدم التفريق بين الجهاد بأنواعه المختلفة في مشروعية دفع الصدقة، مادام يقصد منه بيان الحق ودحض الباطل.
5 -
أن هذا القول هو الذي يتحقق به الجمع بين أسلوب الحصر في الآية، مع موارد اللفظة الموسعة في الكتاب والسنة، بما يفيد عدم التخصيص الضيق أو التعميم الواسع، وإنما هو تخصيص مع توسيع للمعنى لا يخرج به عن الاستعمال الشرعي الكثير، ولا يقتصر فيه على مجرد المعنى اللغوي.
وقد صدر تأييدًا لهذا القول قرارٌ من المجمع الفقهي الإسلامي بمكة، ونص المقصود منه ما يلي:
وبعد تداول الرأي ومناقشة أدلة الفريقين قرر المجلس بالأكثرية ما يلي:
1 -
نظرًا إلى أن القول الثاني قد قال به طائفة من علماء المسلمين، وأن له حظا من النظر في بعض الآيات الكريمة مثل قوله تعالى:{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262)} [البقرة: 262](1).
ومن الأحاديث الشريفة، مثل ما جاء في سنن أبي داود أن رجلا جعل ناقة في سبيل الله فأرادت امرأته الحج فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:"اركبيها فإن الحج في سبيل الله"(2).
2 -
ونظرًا إلى أن القصد من الجهاد بالسلاح هو إعلاء كلمة الله تعالى، وأن
(1) سورة البقرة (262).
(2)
تقدم تخريجه (ص 438).
إعلاء كلمة الله تعالى كما يكون بالقتال يكون - أيضًا - بالدعوة إلى الله تعالى ونشر دينه، بإعداد الدعاة، ودعمهم، ومساعدتهم على أداء مهمتهم، فيكون كِلَا الأمرين جهادًا؛ لما روى الإمام أحمد والنسائي، وصححه الحاكم، عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم "(1).
3 -
ونظرا إلى أن الإسلام مُحَارَبٌ بالغزو الفكري والعقدي من الملاحدة واليهود والنصارى وسائر أعداء الدين، وأنّ لهؤلاء مَن يدعمهم الدعمَ المادي والمعنوي، فإنه يتعين على المسلمين أن يقابلوهم بمثل السلاح الذي يغزون به الإسلامَ، وبما هو أنكى منه.
4 -
ونظرا إلى أن الحروب في البلاد الإسلامية أصبح لها وزارات خاصة بها، ولها بنود مالية في ميزانية كل دولة، بخلاف الجهاد بالدعوة، فإنه لا يوجد له في ميزانيات غالب الدول مساعدة ولا عون.
لذلك كله فإن المجلس يقرر - بالأكثرية المطلقة - دخول الدعوة إلى الله تعالى وما يُعِين عليها ويدعم أعمالها في معنى: {وَفِي سَبِيلِ} (2). في الآية الكريمة (3).
كما صدرت بذلك الخصوص فتوى الندوة الأولى لقضايا الزكاة المعاصرة في مصرف في سبيل الله على النحو التالي:
"إن مصرف في سبيل الله يُرَادُ به الجهاد بمعناه الواسع الذي قرره الفقهاء بما مفاده حفظ الدين وإعلاء كلمة الله، ويشمل مع القتال الدعوةَ إلى الإسلام، والعمل
(1) تقدم تخريجه (ص 415).
(2)
سورة التوبة (60).
(3)
القرار الرابع بشأن جمع وتقسيم الزكاة والعشر في باكستان في الدورة الثامنة من العدد 3 (ص 211)، قرار (4).
على تحكيم شريعته، ودفع الشبهات التي يثيرها خصومه عليه، وصد التيارات المعادية له. وبهذا لا يقتصر الجهاد على النشاط العسكري وحده، ويدخل تحت الجهاد بهذا المعنى الشامل ما يلي:
أ - تمويل الحركات العسكرية الجهادية التي ترفع راية الإسلام وتصد العدوان على المسلمين في شتى ديارهم.
ب - تمويل مراكز الدعوة إلى الإسلام التي يقوم عليها رجال صادقون في البلاد غير الإسلامية، بهدف نشر الإسلام بمختلف الطرق الصحيحة التي تلائم العصر، وينطبق هذا على كل مسجد يقام في بلد غير إسلامي يكون مَقَرًّا للدعوة الإسلامية.
ج - تمويل الجهود التي تُثَبّت الإسلام بين الأقليات الإسلامية في الديار التي تسلّطَ فيها غير المسلمين على رقاب المسلمين، والتي تتعرض لخطط تذويبِ البقية من المسلمين في تلك الديار " (1).
سبب الخلاف:
يظهر مما تقدم أن سبب الخلاف هو اختلافهم حول حقيقة لفظ: (في سبيل الله) هل يُحمل على الحقيقة اللغوية؟ أم له حقيقة شرعية فيحمل عليها؟ فمن قال بِحَمْلِه على الحقيقة اللغوية فإنه يُعَمم معنى لفظ في سبيل الله، ومَن قال بثبوتِ حقيقةٍ شرعيةٍ له حمله عليه.
…
(1) فتاوى وتوصيات ندوات قضايا الزكاة المعاصرة (ص 25).