الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلبْ الثاني زكاة الحساب الجاري
لم أقف على بحث لزكاة المال المودع في الحساب الجاري (1)، وقد تبين مما تقدم تكييف المال المودع في الحساب الجاري بأنه قرض من مودع المال للمصرف وهو مليء باذل (2)، فيكون الحكم في زكاته كالحكم في زكاة الدين إذا كان على مليء باذل، حيث اختلفوا فيه على أقوال أرجحها وجوب الزكاة على المقرض (الدائن) كلما حال عليه حول ولو لم يقبضه (3)؛ وذلك لأنه في حكم المال الذي في يده ولا مانع من قبضه، فلا يؤثر كونه في يد غير مالكه، لا سيما في مثل القرض في
(1) وهذا من أوجه اعتبارها نازلة، مع كون الحساب الجاري صورة جديدة لم تكن معروفة عند المتقدمين.
(2)
يراد بالمليء الباذل: الغني القادر على إيفاء الدين، الذي لا يماطل في أدائه، انظر: طلبة الطلبة (141)، والمغرب (445).
(3)
وهو قول عثمان بن عفان وابن عمر وجابر رضي الله عنهم، وهو المذهب عند الشافعية، ورواية عند الحنابلة. ينظر: مغني المحتاج 3/ 355، أسنى المطالب 1/ 355، المغني 4/ 270، الإنصاف 3/ 18. وفي المسألة أقوال أخرى بوجوب زكاته إذا قبضه لما مضى من السنين، وهو المذهب عند الحنابلة، وقول ثان: بوجوب زكاته إذا قبضه لسنة واحدة وهو المذهب عند المالكية، وأما الحنفية فيقسمون الدين ثلاثة أقسام: قوي: وهو ما وجب عن مال تجارة فيزكيه إذا قبض نصابًا زكاةً واحدة.
ضعيف: وهو ما وجب له بدلًا عن شيء كالميراث أو الوصية، أو كان بدلًا عما ليس بمالٍ كالخلع والصلح عن القصاص فلا زكاة منه ما لم يقبض كله، ويحول عليه الحول بعد القبض. =
الحساب الجاري، فتحصيله أيسر من تحصيل غيره من القروض، فكان له وَجْهُ شَبَهٍ بالوديعة من تلك الجهة، مما يؤكد وجوب زكاته عنها إذا حال عليه الحول.
وإنما تجب زكاة هذا المال إذا توفرت فيه شروط الزكاة بأن يملك المزكي من هذا المال نصابًا، ويحول عليه الحول، فإن تعسر ضبط هذا لكثرة حركة المال في الحساب الجاري على مدى العام، فإنَّ المزكي يعيِّن يومًا في السنة ويزكي فيه المال المودع في الحساب الجاري، ولا يؤثر على ذلك زيادة المال بعد يوم الزكاة؛ لأنه سيزكيه بعد حول من الزكاة الأولى، فإن بقيت الزيادة زكاها، وإن نقص المال لم تجب زكاته لعدم حولان الحول عليه.
= وسط: وهو ما وجب بدلًا عن مال ليس للتجارة، فالأصح أنه لا زكاة حتى يقبض مائتي درهم ويحول عليها الحول. وينظر: بدائع الصنائع 2/ 18، التاج والإكليل 3/ 168. وإنما لم أستطرد بذكر الخلاف؛ لأنه سيأتي الحديث عنها بتفصيل في زكاة السندات، مع كون موضع المسألة يتطلب الاختصار، إضافة إلى أن طبيعة القرض في الحساب الجاري تختلف عن باقي القروض من جهة إمكان قبض المقترض لماله في أي وقت شاء، مما يؤكد الترجيح، ويضعف الأقوال الأخرى، فإن أردت الاستزادة فانظر: كتاب الدكتور صالح الهليل بعنوان: زكاة الدين (ص 32 - 51).