الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قويًّا مكتسبًا، إلا أنهم لم يعتبروا قدرته عندئذ؛ لصرفها في طلب العلم، وهو فرض كفاية مقدم على الاكتساب؛ لما فيه من منفعة متعدية كبيرة لطالب العلم والمجتمع (1).
ومما تقدم يتبين اتفاق المذاهب الأربعة على جواز صرف الزكاة للفقير المشتغل بالعلم الشرعي إذا لم يمكنه الجمع بين طلبه العلم واكتسابه.
وقد ألحق بعض الفقهاء المعاصرين بالعلم الشرعي سائر العلوم النافعة (2)، ولو كانت من العلوم الدنيوية؛ وذلك لكون الدراسة من الحاجات المهمة في الحياة، ولما يترتب على ذلك من مصلحة كبيرة تتحقق للدارس والمجتمع، وهذا القول وجيه، وموافق - فيما أرى - لقول الفقهاء المتقدمين؛ لاتفاق العلة في النوعين من العلم، وهي كونهما فرض كفاية، وللحاجة إليهما. ولكن ينبغي أن يُضبط جواز ذلك بما يلي:
1 -
أن يكون علمًا مباحًا نافعًا لدارسه ومجتمعه.
2 -
أن تكون التكاليف الدراسية المدفوعة من الزكاة بالمعروف، فلا تزيد عن القيمة المعتادة.
المسألة الرابعة: صرف الزكاة لتزويج الفقراء
لم ينص كثير من الفقهاء على حكم صرف الزكاة لتزويج الفقراء، إلا أن ذلك يندرج ضمنا في حديثهم عن مفهوم الكفاية التي يستحقها الفقراء، وقد تقدمت
(1) ينظر: (ص 366).
(2)
ينظر: فتاوى وتوصيات ندوات قضايا الزكاة المعاصرة (ص 131)، فقه الزكاة 2/ 610، مصارف الزكاة وتمليكها (ص 191)، مصرف الفقراء والمساكين لخالد الشعيب (ص 291)، ضمن أبحاث الندوة الثامنة لقضايا الزكاة المعاصرة.
الإشارة إلى خلافهم حول مقدارها (1)، فمن اعتبر كفاية العمر، فإن تزويج الفقراء ضمن ذلك بلا ريب؛ لكون الزواج من الحاجات الأساسية التي تنفق في مثلها الزكاة، بل قد نص بعض الشافعية على ذلك (2)، أما من قيَّد مقدار الكفاية بالسنة؛ فإنه يتخرج على قولهم - فيما أرى - جواز صرف الزكاة للفقراء في حاجيات النكاح الضرورية التي تُقَارِب كفاية السنة، لا جواز صرفها لتحمل جميع تكاليف الزواج وإن كثرت، وقد أشار لنحو هذا المعنى بعض المالكية (3)، وقد تقرر بناءً على ما رجحنا في مقدار الكفاية المستحقة للفقير جوازُ صرف الزكاة في تزويج الفقير العاجز عن تكاليف الزواج، وقد اختار ذلك كثير من فقهاء العصر وأفتوا به، وليس ثم دليل يمنع من تحفل الزكاة لتكاليف الزواج، بل إن الأدلة تدل عليه ومن ذلك:
1 -
حديث قبيصة بن المخارق رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تحل المسألة إلا لأحد ثلاثة، - وذكر منهم - ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش - أو قال: سدادًا من عيش - ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: لقد أصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش - أو قال: - سدادًا من عيش. . "(4).
(1) ينظر: المطلب الثاني من هذا البحث.
(2)
كما في حاشية الرملي 1/ 394، حيث قال:"أفتى ابن البزري بأن من نذر صوم الدهر ولا يمكنه أن يكتسب مع الصوم فله الأخذ من الزكاة، وأنه لو كان يكتسب من مطعم وملبس ولكنه محتاج إلى النكاح فله أخذها لينكح؛ لأنه من تمام كفايته".
(3)
قال في حاشية الدسوقي 1/ 493: "فائدة: نقل المواق عن ابن الفخار أنه لا يعطى من الزكاة شيء في شوار يتيمة، وفي الخطاب عن البرزلي عن بعض شيوخه الجواز، ومثله في المعيار عن ابن عرفة: أنه سئل عن ذلك فأجاب بأن اليتيمة تعطى من الزكاة ما يصلحها من ضروريات النكاح والأمر الذي يراه القاضي حسنا في حق المحجور"، قال الخطاب في مواهب الجليل 2/ 347:"فعلى هذا فمن ليس معها من الأمتعة والحلي ما هو من ضروريات النكاح تُعطى من الزكاة من باب أولى".
(4)
تقدم تخريجه (ص 347).
ووجه الدلالة منه: أن تحصيل تكاليف الزواج من تحقيق قوام العيش.
2 -
أن تكاليف الشريعة ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخلق، وهذه المقاصد أقسام، أعلاها الضرورية، ومجموعها خمسة: ومنها حفظ النسل (1)، ولا يتحقق حفظه إلا بالنكاح، فكانت إقامته من تحقيق المقاصد الضرورية في الشريعة، مع ما في النكاح من تحصيل لمصالح شرعية متعددة، من مثل سد خَلّة المحتاجين، وبناء المجتمع المسلم، وتحقيق التكافل فيه، وإحصان المسلمين، وإشباع حاجاتهم الأساسية.
وقد جاء في فتاوى الندوة الثامنة لقضايا الزكاة المعاصرة ما يلي:
"يعطى من سهم الفقراء والمساكين ما يلي:
أ - من كان بحاجة إلى الزواج وهو عاجز عن تكاليفه المعتادة لمثله.
ب - طالب العلم العاجز عن الجمع بين طلب العلم والتكسب. . . " (2).
وقد أفتت اللجنة الدائمة في السعودية بجواز صرف الزكاة في الإعانة على الزواج من غير إسراف (3).
(1) قال الشاطبي في الموافقات 2/ 8 - 9: "فأما الضرورية: فمعناها أنها لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث إذا فُقِدَتْ لم تَجْرِ مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد وتهارج وفوت حياة، وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين، والحفظ لها يكون بأمرين؛ أحدهما: ما يقيم أركانها ويثبت قواعدها، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب الوجود، والثاني ما يدرأ عنها الاختلال الواقع أو المتوقع فيها، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب العلم" وقال: "ومجموع الضروريات خمسة: وهي حفظ الدين والنفس والنسل والمال والعقل، وقد قالوا: إنها مراعاة في كل ملة".
(2)
فتاوى وتوصيات ندوات قضايا الزكاة المعاصرة (ص 131).
(3)
ينظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 10/ 17، فتوى رقم:(4096).