الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع صرف المؤسسة الزكوية لزكاة الفطر بالمبالغ المتوقعة قبل استلامها لها
تعمد بعض المؤسسات الخيرية إلى تقدير مبلغ معين لشراء زكاة الفطر، وذلك في أول أو أوسط شهر رمضان، ثم دفعه عن أناس غير معينين، يدفعون الزكاة بلا إنابة منهم في إخراج تلك الزكاة، وسبب اللجوء لذلك هو تهيئة الوقت الكافي للقيام بتوزيع تلك الزكوات علَى المستحقين، حيث يتعذر ذلك قبل العيد بيوم أو يومين مع كثرة المستحقين وتفرقهم، فيتبين مما تقدم أنه لا بد من بيان مسألتين قبل معرفة حكم صنيع تلك المؤسسات.
المسألة الأولى: حكم اشتراط النية في أداء الزكاة
ذهب عامة الفقهاء إلى أن النية شرط في أداء الزكاة (1)
(1) ينظر: المبسوط 3/ 34، بدائع الصنائع 2/ 40، مواهب الجليل 2/ 356، حاشية الدسوقي 1/ 500، المجموع 6/ 157، تحفة المحتاج 3/ 346، المغني 4/ 88، الفروع 2/ 547.
واستدلوا بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات"(1)(2).
ولأنها عبادة تتنوع إلى فرض ونفل، فافتقرت إلى النية كالصلاة (3).
وحُكِيَ عن الأوزاعي (4) مخالفته للفقهاء فلم يوجب النية عند أداء الزكاة (5).
واستدل لذلك: بأنها دَيْنٌ، فلا تجب لها النية، كسائر الديون، ولهذا يخرجها ولي اليتيم، ويأخذها السلطان من الممتنع (6).
(1) رواه البخاري، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي، برقم:(1) ورواه مسلم في كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم:"إنما الأعمال بالنية"، برقم:(1907).
(2)
ينظر: بدائع الصنائع 2/ 40، المجموع 6/ 157.
(3)
ينظر: المغني 4/ 88.
(4)
الأوزاعي: هو عبد الرحمن بن عمرو بن يُحْمِد، أبو عمرو الأوزاعي، ولد في حياة الصحابة سنة 88 هـ، عالم أهل الشام، من الأئمة الذين كان لهم مذهب مُتَّبع، توفي سنة 157 هـ[ينظر: سير أعلام النبلاء (6/ 307)، تهذيب التهذيب (7/ 38)].
(5)
ينظر: المغني 4/ 88.
(6)
المرجع السابق، وقال القرافي:"الزكاة إن أخرجها أحد بغير علمِ مَنْ هي عليه أو غير إذنه في ذلك، فعلى ما قاله بعض أصحابنا من عدم اشتراط النية فيها تمسكا بقياسها على الديون، وبأخذ الإمام لها كرها، والإكراه مع النية متنافيان، ينبغي أن يجزئ فعل الغير فيها مطلقا، كالدين والوديعة ونحوهما، مما تقدم في القسم المجمع على صحة فعل غير المأمور به عن المأمور، وعلى ما قاله مالك والشافعي وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم من اشتراط النية فيها لما فيها من شائبة التعبد من جهة مقاديرها في نصبها والواجب فيها وغير ذلك، فإن كان المخرج غير الإمام فمقتضى قول أصحابنا في الأضحية يذبحها غير ربها بغير علمه وإذنه أنها تجزئه إن كان الفاعل لذلك صديقه، ومن شأنه أن يفعل ذلك له بغير إذنه؛ لأنه بمنزلة نفسه عنده لتمكن الصداقة بينهما أن يجري مثله هنا، فيقال: إن الزكاة تجزئه إن كان مخرجها من هذا القبيل ضرورة أنّ كُلًّا منهما عبادة مأمور بها، مفتقرة للنية، وإن كان الفاعل ليس من هذا القبيل لا يجزئ عن ربها؛ لافتقارها للنية على الصحيح من المذهب" 3/ 337. إلا أنني لم أثبته قولًا للمالكية أعلاه؛ لأن نقل المذهب من الفروق غير مرتضى عند المالكية؛ لكون المؤلف مات قبل أن يحرر كتابه، كما يفيد بذلك قول ابن الشاط =
وأجيب بمفارقتها قضاء الدين؛ فإنه ليس بعبادة، ولهذا يسقط بإسقاط مستحقه، وولي الصبي والسلطان ينوبان عند الحاجة، وإنما سقطت النية عنهما لتعذرها منهما (1).
فيتقرر مما تقدم أنه لا يجزئ إخراج الزكاة إلا بنية من المزكي، وذلك إنَّما يكون بفعله، أو بعلمه وإذنه بإخراجها.
أما إذا أذن الناس للمؤسسة الزكوية أو كان هناك عرف بإخراج صدقة الفطر عنهم ولو قبل دفعهم إياها، فإن الظاهر من نصوص الحنفية والمالكية جواز ذلك، فقد قال في الهداية:"لو أدى عنهم -أي زكاة الفطر- أو عن زوجته بغير أمرهم أجزأه استحسانًا لثبوت الإذن عادة"(2). قال الشارح في العناية: "قوله: (ولو أدى عنهم) ظاهر، وهو استحسان، والقياس ألا يصح كما إذا أدى الزكاة بغير إذنها. وجه الاستحسان أن الصدقة فيها معنى المؤنة فيجوز أن تسقط بأداء الغير وإن لم يوجد الإذن صريحًا، وفي العادة أن الزوج هو الذي يؤدي عنها، فكان الإذن ثابتًا عادة"(3).
وقال في شرح مختصر خليل: "وإن أداها عنه أهله أجزأه، وإليه أشار بقوله: (وجاز إخراج أهله عنه) إذا ترك عندهم ما يخرج منه، ووثق بهم وأوصاهم، زاد في التوضيح: أو كانت عادتهم"(4).
قال في الذخيرة: "فإذا أخرج أهله وكان ذلك عادتهم، أو أمرهم أجزأه، وإلا
= في مطلع إدرار الشروق على أنواء الفروق بحاشية الفروق 6/ 1، كما أنه جعل ذلك القول من قبيل الضرورة.
(1)
ينظر: المغني 4/ 88.
(2)
ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 286.
(3)
المرجع السابق.
(4)
2/ 232.