الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العصر، نتيجةً لاختلاف البلاد وأنظمة العيش وأنماط الحياة، ولما يترتب على ذلك من مصلحة المستحقين المتمثِّلة في تأمين موارد مالية ثابتة لسد حاجاتهم المتزايدة (1).
ونوقش: بأن الاستحسان لا بد أن يكون مبنيًّا على دليل أو مسوّغ شرعي (2).
ويمكن أن يُجاب ذلك بما أُورِدَ من الأدلة الشرعية على جواز استثمار أموال الزكاة، مع الحاجة الكبيرة إلى ذلك (3).
11 -
أن تَصَرُّف الإمام منوط بالمصلحة، وله صلاحيات في تحقيق المقاصد الشرعية، ومن ذلك ما يتعلق بمراعاة حال المحتاجين في المجتمع، وولي الأمر يملك بمقتضى ولايته تطوير الموارد الاقتصادية لسد حاجة الفقراء وتحقيق العدل الاجتماعي، ولا بد لتحقيق ذلك من زيادة أموال الزكاة بطريق الاستثمار المشروع، وهذا ما تقتضيه المصلحة العامة، فلا ينبغي سد باب اجتهاد الإمام في هذا الجانب (4).
الترجيح:
يتبين مما تقدم من أدلةٍ أن الواجب المبادرةُ بصرف أموال الزكاة لمستحقيها، سواء كان ذلك من المالك أو من الإمام، إلا أن ذلك لا يتعارض مع جواز استثمار بعض تلك الأموال لصالح مستحقيها إذا رأى الإمام الحاجةَ إلى ذلك بضوابط شرعية تتحقق فيها المصلحة من الاستثمار أو تغلب على المفسدة إن وجدت، وترجح هذا على القول بمنع استثمار أموال الزكاة مطلقا لما يلي:
(1) ينظر: استثمار أموال الزكاة لشبير 2/ 522، استثمار أموال الزكاة للفوزان (ص 135).
(2)
ينظر: أبحاث وأعمال الندوة الثالثة (محمد رأفت عثمان)(ص 94).
(3)
ينظر: استثمار أموال الزكاة، للفوزان (ص 135).
(4)
ينظر: مصارف الزكاة وتمليكها، للعاني (ص 544)، استثمار أموال الزكاة، للفوزان (ص 135).
1 -
سلامة بعض أدلة القائلين بجواز الاستثمار، بخلاف القائلين بعدم جواز ذلك، حيث نوقشت أدلته وأجيب عنها.
2 -
أن للإمام التصرف في أموال الزكاة عند الحاجة لذلك بما يحقق مصلحة المستحقين، إذا لم يتعارض ذلك مع النصوص الشرعية، وقد قرر الفقهاء هذا في نصوصهم الفقهية، ومن ذلك قول بعض المالكيَّة:"إذا قلنا بنقل الزكاة إلى البلد المحتاج، واحتاجت إلى كِراء يكون من الفيء. . .، فإن لم يكن فيء، أو كان ولا أمكن نقلها، فإنها تباع في بلد الوجوب، ويُشْترى بثمنها مثلُها في الموضع الذي تُنْقل إليه إن كان خيرًا "(1).
وقال النووي: "إذا وقعت ضرورة، بأن أشرفت بعض الماشية على الهلاك، أو كان في الطريق خطر، أو احتاج إلى رد جُبْران أو إلى مئونة نقل، فحينئذٍ يبيع "(2).
وقال ابن قدامة: "وإذا أخذ الساعي الصدقة، واحتاج إلى بيعها لمصلحةٍ من كلفةٍ في نقلها أو مرضها، أو نحوهما فله ذلك "(3).
فيتبين مما تقدم جواز تصرف الإمام أو نائبه، كالساعي وغيره في أموال الزكاة عند الحاجة لذلك، سواء كان ذلك بالبيع أو غيره، مما لا يفوت معه حق الفقراء، ومن ذلك: التصرف باستثمار أموال الزكاة وتنميتها وتكثيرها، فهي حاجة تسوِّغ بيع بعض الأموال والمتاجرة بها لصالح المستحقين، ما لم يترتب عليهم ضرر (4).
(1) ينظر: شرح الخرشي 2/ 523.
(2)
ينظر: روضة الطالبين 2/ 337.
(3)
ينظر: المغني 2/ 134.
(4)
ينظر: استثمار أموال الزكاة، للفوزان (ص 148).
3 -
أن الفقهاء قرروا أحكامًا في الزكاة على خلاف الأصل الذي دلت عليه الأدلة، مراعاة لمصلحة المستحقين، وتحقيقًا للمقاصد الشرعية من الزكاة، كتجويز إخراج القيمة في زكاة عروض التجارة؛ لأنه أرفق بالمزكي والمستحق (1)، فكذا هنا يجوز تأخير صرف الزكاة لتنميتها لصالح المستحقين بالاستثمار المأمون.
4 -
أن استثمار أموال الزكاة يحقق من المصالح ما يرجح على المفسدة المظنونة بالتأخير أو الفوات، وذلك لقلة أموال الزكاة مع كثرة حاجة المصارف الزكوية المتنوعة، فالنقص أو التأخير في دفعها لأهلها عند استحقاقها هو آني مؤقت، لكنه على المدى البعيد نماء ومضاعفة لأموال الزكاة، إلا أن تلك المصالح المترتبة على الاستثمار إنما تكون بعد توفر الضوابط الشرعية لذلك العمل، حتى لا يتجنى المستثمرون للأموال الزكوية على المستحقين في سائر المصارف المنصوصة، ولذا فإنه يحسن بيان تلك الضوابط التي تحقق المصالح الشرعية التي جوّزت مخالفة الأصل القاضي بتعجيل تلك الأموال إلى مصارفها، وعدم التأخر في توزيعها.
وقد صدرت بذلك فتوى الندوة الثالثة لقضايا الزكاة المعاصرة وكان نص المقصود منها ما يلي:
يجوز استثمار أموال الزكاة بالضوابط التالية:
1 -
ألا تتوافر وجوه صرف عاجلة تقتضي التوزيع الفوري لأموال الزكاة.
2 -
أن يتم استثمار أموال الزكاة - كغيرها - بالطرق المشروعة.
3 -
أن تتخذ الإجراءات الكفيلة ببقاء الأصول المستثمرة على أصل حكم
(1) ينظر: بدائع الصنائع 2/ 21، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1/ 404، روضة الطالبين 2/ 273، المغني 4/ 250.
الزكاة، وكذلك ريع تلك الأصول.
4 -
المبادرة إلى تنضيض (تسييل) الأصول المستثمرة إذا اقتضت حاجة مستحقي الزكاة صرفها عليهم.
5 -
بذل الجهد للتحقق من كون الاستثمارات التي ستوضع فيها أموال الزكاة مجدية ومأمونة، وقابلة للتنضيض عند الحاجة.
6 -
أن يُتَّخَذ قرار استثمار أموال الزكاة ممن عَهِدَ إليهم ولي الأمر بجمع الزكاة وتوزيعها لمراعاة مبدأ النيابة الشرعية، وأن يسند الإشراف على الاستثمار إلى ذوي الكفاية والخبرة والأمانة (1).
…
(1) ينظر فتاوى وتوصيات ندوات قضايا الزكاة المعاصرة (ص 51).